الفصل السابع

8 3 0
                                    

سجنٌ هو ذلك المكان الذي أبقى فيه معلّقة بينما أراقب جانبًا مظلمًا منّي يتصرف بجسدي ويسيّره كما يشاء، وكأن لا إرادة لي… 
شعورُ أن تكون محبوسًا بداخلك هو من أقسى المشاعر، فلا تمتلك حقًّا بالصراخ وطلب المساعدة ولا تستطيع أن تستعيد ما هو ملكٌ لك من الأساس. لحظات اليأس تلك كانت تمنحني شعورًا بأنني كنتُ مجرد دمية طوال الوقت! لعبة تحركها الطاقات التي تستقر في داخلي فأسمعهم يتعاركون على السيطرة على جسدي أنا! تمنيتُ أن أتخلص من كلّ تلك القوّة في ذلك الوقت، تمنّيتُ لو أنني مجرد فتاة ضعيفة لا طاقة لديها ولا قوى، لو أنني ولدتُ ضعيفة لم يكن الحجر ليصل إليّ لأنني عندها لن أكون القلب الأقوى… ربما وقتها لن أكون وحيدة في النهاية كما أنا الآن… 
صرخت بكلّ قوتي أحاول تحطيم الأصفاد التي تحيط بكلا معصميّ تعلّقني بجدار من خلفي، نقوش بدأت تظهر على ذلك الجدار قاطعت صرخاتي لألتفت إليها أحاول معرفة ما المكتوب هناك، أتذكر جيدًا تلك اللحظات لأنها كانت تعيش في كوابيسي لقرون طويلة.

«عند أعلى التلة… استيقظت الكلمات… همهم الصباح… وغرّدت الأرض… غنى السحاب… بأغنية الزمان… توأمين من الأحلام… تغلبا على الخيال… سافرا عبر النجوم… أحرقا كل التخوم… وحدّا كل الحدود… أشعلا الليل نهار…» صوت همهمة يتكرر في عقلي، صوت ظلامي يدندن الأغنية مع لحنها المألوف.

«أحد التوأمين لابدّ أن يموت، من يخون الرابط يجب أن يموت… رابط الميراكل مقدس، وعدٌ لا يمكن إخلافه، من يتخلى عن رابطه يخون الوعد وينقض عهدًا عمره آلاف الدهور… توأم تخلى عن توأمه طلبًا لراحةِ باله لا يمكن اعتباره شطر من الميراكل! الميراكل لا يخافون تبعاتِ القوّة وإنما يرغبونها… ليغولاس يجب أن يموت.» قرأتُ النقوش التي حُفرت بلغة الإلف القديمة على الجدار من خلفي ليسبح ضوؤها عبر السلاسل الحديدة حتى يصل إلى الأصفاد وأخيرًا يتغلغل فيّ. 
 
«توأمين من الأحلام… حررا كلّ القيود… وحدّا كلّ الحدود… نقطة الضعف الوحيدة… أحد التوأمين… خاف أن يعبر النهر… انتظر طويلًا على الضفة… فاض النهر… وغرق الطفل… ولم يعبر ماء النهر...» تابع ذلك الصوت الدندنة لأدركَ شيئًا مهمًا، عندما سمعتُ تلك الدندنة للمرة الأولى كان عندما كنتُ فاقدة لوعيي في آفيرنوس، ظننتُ أن ليغولاس هو الطفل الناجي وأنا من سيغرق، ولكن الظلام كان يخبرني بما سيحدث، ليغولاس كان مستسلمًا آنذاك عن إيجادي، بدا وكأنه يخاف أن يعبر حدوده… ليغولاس كان الطفل الذي يغرق! ليغولاس الطفل الذي خاف أن يعبر النهر! ليغولاس هو الطفل الذي يموت! 
 
«أنا لن أسمح لك بأن تقتله! ليغولاس لن يموت.» صرختُ بصوتٍ مرتفع بينما أشعر بذلك الضوء يتغلغل في جسدي يخفي صوتي تدريجيًا، شعرتُ بقواي تخور بينما أفقد كلّ قدرتي على الكلام وبقيت أراقب ذلك الظلام الذي يتصرف وكأنه أنا بينما يعبث في حياتي.

كنتُ أنا أسير في طريق العودة من تلك الغابة بعد أن فرضتُ سيطرة الحجر على مركز الكوكب، بينما قام ذلك الحارس بحمل كولينز المصاب والفاقد لوعيه تمامًا على ظهره ولكن أظن أنني كنت مستعجلة للعودة لدرجة أنني اقترحت أن أحمل كولينز وأعود به بسرعتي ثم أعود لأخذ مايا ولكن الأخيرة.
 
«لا يمكنني أن أثق بكِ! أنا الشخص الوحيد القادر على علاج كولينز من إصابة الترول وحش مركز آنثيا، سهامه مسمومة وأنا المخلوق الوحيد القادر على امتصاص ذلك السمّ. لن أغامر وأترككِ تأخذيه من دون أن أكون معه.» اعترضتْ تلك الصغيرة بحزم بينما تحذّرني من أخذ كولينز منها،  لم أعلم لماذا ولكنتي شعرتُ بالامتنان لها لحمايتها كولينز منّي أنا.
 
«ولكننا لن نصل قريبًا على هذا الحال!» هتف صوتي بعصبية بالغة أتذمر من تأخرنا بالمشي، أنا لم أكن لأهتم بالوقت بصراحة، كان يجب عليّ أن أسعف كولينز أولًا، ولكن الوحش المسيطر عليّ كان له رأيٌ مغاير.
 
«هل هناك شيء يجب أن تصلي سريعًا من أجله؟» سألتْ مايا باستنكار بينما تعقد ذراعيها الصغيرة تنتظر إجابتي، منذ ذلك الوقت مايا كانت تتصرف أكبر من عمرها، دائمًا ما حملتْ تفكيرًا مثل من يكبرونها بقرون، حتى أنها أحسنت التحكّم بطاقة الطبيعة بشكلٍ يعجز عنه قادة هذه الطاقة.
 
«يجب أن أصل إلى شقيقي التوأم.» نطقتُ بكلّ براءة مصطنعة بينما أنا أتقطع داخليًا لأن أظهر.
نظرات مايا إليّ لم تكن بالعادية وإنما شعرتُ بها تنظر إلى أنا المحبوسة في الداخل، كانت وكأنها تبحث عن شيء معيّن في عينيّ، وكأنها تريد أن تحادثني.
 
«لم أكن أعلم أن الجانب المظلم مسيطرٌ لديكِ.» تحدّثتْ بهدوء وابتسامة جانبية كانت مرسومة على شفتيها، كانت تبحث عنّي أنا! كانت ترى أن الظلام هو من يسيطر على جسدي! 
 
«والآن تعلمين، إذًا لا حاجة للتظاهر! سأترككم هنا وأذهب أنا، لدي عملٌ يجب أن أنهيه…» ردّي ذلك جعل منّي أستشيط غضبًا ولكن لا طاقة لي على المقاومة، أصواتٌ متداخلة كانت تشوّش عليّ الشعور بما يجري في الخارج… 
 
أتذكر أنني جريتُ مسرعة بعيدًا عنهم غير آبهةٍ بأنهم سيمضون وقتًا طويلًا للخروج من الغابة، ولا أعتقد أن ظلامي كان خائفًا عليهم من التوهان هناك، خصوصًا وأنهم كانوا في إحدى الغابات التي لا يخرج منها المرء أبدًا ولا حتّى جثّته! غابة كلاريدا هي مركز آنثيا وأكثر الغابات خطورة في إيستريا كلها، ولكن لابد أنني لم أكن آبهة لذلك… 
كنتُ قد تُهتُ عندما أدركتُ أخيرًا أنني ما كان يجب أن أترك مايا والحارس لأنهما الوحيدان اللذان كانا قادرين على إيجاد الطريق هنا، نويتُ العودة ولكن الطريق تغيّر للغاية وكأنه تبدّل خلال ثوانٍ قليلة ليظهر بشكلٍ مغايرٍ تمامًا.

المعجزة الأخيرة Where stories live. Discover now