الفصل الثاني

13 3 0
                                    

أجسادٌ مترامية أمام ناظري، وعلى الرغم من دموية المشهد إلا أنه لم يحرّك فيّ شيئًا! شاهدتُ جسدي الذي اغتالهم بوحشية مطلقة منهيًا حياة أولئك المسلحين. 
ولكن ما أثار حيرتي أكثر من أي شيء هو أنني لم أكن أتحكم بجسدي وإنما كنت أشاهد فقط، وكأن هناك يدًا خفية أمسكت بعجلة القيادة وأصدرت تلك الأوامر القاتلة! ولكنني علمت فيما بعد أنها ليست يدًا خفية وإنما كانت جزءًا مني لا أكثر.
السيدة التي سحبتني في المرة الأولى صرخت بالبقية مشيرة لأجساد المسلحين والذين أعتقد أنهم كانوا جنودًا، قام الجميع بالتعاون وحملوا أجساد الجنود بعيدًا عن الساحة حيث كنّا بينما سحبتني السيدة معها تقتادني بين الحارات والأزقة، كنّا ندخل من مكان ونخرج في مكان آخر حتى أنني لم أستطع تتبع الطريق الذي سلكناه، كانت تصرفاتها مريبة ولكن صوتٌ ما في داخلي دفعني للاستسلام لها وتركها تأخذني حيث تريد، كنت مطمئنة لها بشكلٍ مريب.

الجنود القتلى تم دفنهم في مستنقع ما، والحفرة قام السكان بردمها حرصًا على سلامتي، اعتبروني ضيفًا للمكان وكانوا يعاملونني بلطف، عدا عن تلك الطفلة التي كانت تلعب بصخب متعمدة إزعاجي كلّ ليلة حتى أخرج وأهددها لتنام وتتركني أنام.

المنزل الذي عشت فيه هنا كان متواضعًا، مختلفًا عن مساكن كليتوس بألوانه الباهتة وسقفه المدبب وقاعدته المرتفعة! ولكنه من الداخل حمل دفء العائلة المكوّنة من ثلاثة أفراد، عشت معهم لفترة كافية لأعترف بأنهم أكثر عائلة لطيفة قد مررتُ بها. 
لاليجا -السيدة- كانت تعاملني كما لو كنت ابنتها إيفيليين، بينما ايفيليين وسايهون ابنها كانا يعاملاني كالغريبة بينهم، ليس وكأنني لم أكن كذلك بالفعل، حتى أنني استطعت أن أسمع سايهون يعاتب والدته كلّ ليلة لإحضارها لي إلى منزلهم، وقد بدا وكأنني لستُ الضيفة الأولى هنا وليست المرة الأولى لهم باستقبال ضيوف غريبين في منزلهم.

تعلّمتُ منهم أن من هنا يعيشون تحت قوانين وقواعد صارمة، وأنني إن أردت العودة إلى كليتوس فأنا يجب أن أتمكن من الهروب إلى سكاني من دون أن يعلم من هم هناك أنني قدمت هنا أولًا.
القوانين كانت ظالمة بحقّهم، ولكن ليس هناك من يستمع، كنت سأتهرب من التفكير بحلّ لهم فأنا في نهاية المطاف لستُ إلا ضيفة غريبة،ولكن ما ظهر بداخلي كان شيئًا مخيفًا يأبى الهروب من دون أن يحدث أثرًا بارزًا! 

وبعد ما يقارب الستة وأربعين يومًا كنت قد ألفتُ روتين الحياة هناك، ولكنني لم أعتاده، ليس وكأنني من الممكن أن أعتاد على وجود رجال مسلحين يأتون في كل أسبوع لاختيار عشرة أطفال يأخذونهم غصبًا إلى مكان مجهول.
كان الغضب منهم يتأجج في داخلي كلّ يوم أكثر من سابقه، أردتُ أن أخرج ذلك الشيء الذي قتلهم تلك المرة، ولكنه كان مختئبًا طوال الوقت يحرّضني بدون أن يمدني بأي قدرة على التغيير.
طاقة النور بداخلي كنت أشعر بها تموت ببطء في ظلام المكان، ولستُ بقادرة على العودة إلى كليتوس…

المعجزة الأخيرة Where stories live. Discover now