الفصل الأول

1.2K 48 20
                                    

الفصل الأول
رواية طوق نجاتي
بقلم الكاتبة ابتسام محمود الصيري

في وسط دجى الليل أناس كثيرون يتواجدون داخل ميناء في السعودية يصعدون على متن باخرة، منهم من أنهى عمرته ومنهم من يقرر العودة بعد شهور وسنين عمل، أما  "صافي" انهت عملها بعد اسبوع  في أحد المؤتمرات الصحفية، كانت تقف تنتظر دورها وهي تتأمل هذه الباخرة، فهي باخرة مليئة بالأنوار ، بها لمسة من الفخامة والجمال، تكاد تكون مدينة كبيرة متحركة على سطح الماء، بسبب ضخامتها، همت بالصعود عندما جاء دورها، وبدأ البشر يتفرقون كخلية من النحل كل منهم يذهب إلى غرفته، دخلت "صافي" غرفتها وبدلت ثيابها وجلست على الفراش تفكر بأشياء كثيره أمسكت حقيبة ظهرها وأخرجت مفكرة صغيرة تدون بها بعض الملاحظات حتى أن شعرت بالملل، لمت شعرها وقفلت مفكرتها ووضعتها داخل الحقيبة، و ارتدت ثيابها وحجابها وخرجت من الغرفة وهي تأخذ حقيبتها الصغيرة
متوجهة لأعلى طابق بالباخرة عبر ممر كبير حيث يوجد الكثير والكثير من الناس، يستعدون إلى رحلة طويلة، استقرت "صافي" على أحد المقاعد ونظرت إلى النجوم الساطعة المنثورة على السجادة السوداء بسبب عتمة الليل، تشعر وكأن الليل يعانقها داخله كما يعانق القمر والنجوم، و بدلا من أن يكون الليل أجمل أوقاتها التي تصفو بها روحها، غطست بأفكارها داخل بحر عميق وظلت تسبح فيه بنات أفكارها، لعل يشفى العقل من سقمه وتعبه، لكن نيرانها الداخلية لم تهدأ، وكأن أوجاعها من رحم ذكرياتها لها قلبا لا ينبض إلا ليلا، حاولت الهروب من ذكريتها وتوجهت لبعض الفتيات تقريبا في سنها، جلست بحوارهم وعرفتهم على نفسها ثم قالت: أنا كنت في مؤتمر صحفي، انتوا بقى كنتوا بتعملوا ايه هناك؟
ردت عليها واحده منهم بعدما اطلقت تنهيده حاره:
- أنا بقالي فترة في السعودية كنت بشتغل كابتن في جيم بنات، واخيرا هرجع بلدي وأشوف أهلي بعد غياب سنتين.
واخرى قالت بفرحة:
- وانا كنت رايحه أعمل عمره مع اخويا، يااا أحساس غير اي احساس أول ما عينى جت على الكعبه ربنا يكتبها لكل مشتاق .
- وانا كنت متزوجة واحد منه لله بهدلني في الغربه واهو رجعه ايد قدام وايد ورا.
- المهم أنك رجعه بنفسك وصحتك اي حاجة تاني شكليات طول ما فيكى النفس هتقدري تعملي كل اللي بتحلمي بيه.
قالتها "صافي" بنبرة أمل نابع من قلبها.
وظلوا يتحدثون في جو مليء بالضحك والذكريات، حتى أن عم الصمت، استأذنت منهم ونزلت غرفتها، وتمددت على فراشها، واغلقت عينيها حتى تنال قسط من الراحة.

فتحت مقلتيها المتعبة بعد أن شعرت بهزة داخل الباخرة،  وفاقت على أصوات الإستغاثة، بعد أن سمعت أحد الركاب يقول هناك حريق في السفينة.
فتحت باب الغرفة بعدما لبست حجابها وجدت أشخاص يركضون بحركات عشوائية، حاولت فهم اي شيء لكن بدون فائدة الكل يركض بهلع، اخذت حقيبة ظهرها ووقفت كالبلهاء لم تعرف ما عليها فعله ودب داخلها الخوف والقلق بعدما سمعت صوت من ميكرفون :
- فيه مشكلة في العبارة، الكل يجى ناحية اليمين.
وبعد ثواني شاهدت منظرا مفزعا أيقنت أنها في حالة غرق وخطر كبير حين وجدت نيراناً كثيفة تنبعث من مخزن السفينة أسرعت إلى أعلى السفينة، بدأ الطاقم يرمى عليهم سترات الإنقاذ، اتسعت مقلتيها وبدأ الخوف يتملكها وانكمشت بمكانها بهلع حتى أن سمعت:
- العبارة هتغرق الكل يأمن نفسه البسوا سترات النجاة بسرعة.
وقفت بفزع وهي تبحث بعينيها عن شيء ينقذها بعد أن مالت السفينة وبدأت في الغرق، لم تجد شيئاً سوى طوق نجاة مرمي أرضا واثنين يتشاجرون عليه، امسكت به وركضت وهي تلبس حقيبة ظهرها الصغيرة؛ ثم لبسته حول خصرها و وقفت على سور الباخرة ولثواني نظرت لظلمة البحر الذي اصبح كـ المرآه التي تعكس ما بداخلها من كثرة تلاطم الأمواج بعضها ببعض، وقبل أن تتراجع أمسكت بيدها نفس الفتيات وشجعوها على القفز وبالفعل القوا بنفسهم من ارتفاع عماره مكون من ثمن طوابق، لم تشعر "صافي" بأرتطام جسدها النحيل داخل البحر لكنها شعرت بـ أنشودة محببة إلى نفسها افتقدت صفائها من سنين، وسار جسدها يسبح فوق مياه البحار الهائجة كالورقه، وكان البحر يشبه حياتها بكل ما فيها من تقلبات.
أما باقي الفتيات تمسكوا بيد بعضهم بقوة في وسط أمواج البحر التي تتحرك كـ طفلًا غاضبًا يريد أن يركض في كلّ اتجاه.

طوق نجاتي Where stories live. Discover now