رَبٍّ رحيمٍ

2K 176 25
                                    

الفصل الرابع (رَبٍّ رحيمٍ)

"هل يسعد الإنسان بمصيبة ألمت بهِ؟ هل يرتاح لعِله أصابته تبدو للجميع أمر مثير للشفقة ولكن بالنسبة له رحمة كبيرة من ربهُ؟ يفعل، حين تكن في عِلته سببًا للنجاة مما ظن أنه مهلك بهِ"

أواخر سبتمبر لعام ٢٠٠٦..

مسدت على خصلاته بحنو وهو يتسطح فوق الفراش مجاورًا لها، التمعت حدقتيها بامتنان لله تعالى على حالتها التي تبدو بائسة للجميع ولكن بالنسبة لها لقد منَّ الله عليها مرةً أخرى، المرة الأولى كانت حين كشف لها حقيقة زوجها الشنعاء، والمرة الثانية حين أصابها بجلطة دموية تسببت بشلل نصفي تام لها، شلل كان رحمة لها فقد كان سببًا قويًا لابتعاد "حسن" عنها، خشى عليها! وللعجب الشيطان يخشى! ويشعر، وظهر صدقه في حبه لها، فحين أخبره الطبيب أنها إن تعرضت لحزن أو ضغط نفسي أو عصبي مرة أخرى ستتكون لديها جلطة أشد من سابقتها وحينها بلا شك ستودي بحياتها ولن يستطيعوا إنقاذها خشى أن يحدث ما حذره منه الطبيب،فكانت المواجهة حين قرر معرفة السبب الحقيقي وراء تدهور حالتها هكذا، فبالطبع الأمر لا يتعلق بحقيقته التي علمتها فحقيقته تلك تعلمها بالفعل منذُ ثلاث سنوات ولم تصل حالتها لهذا الوضع، وحين واجهها لم تراوغ وهي تقذف بالحقيقة في وجهه..

اواخر يونيو لعام ٢٠٠٦..

بقت في مرضها لعدة أيام مكثتهم في المستشفى حتى خرجت اليوم، ولكن لم تخرج كما دلفتها، خرجت على كرسي متحرك يساعدها على الانتقال بعد أن أُصيبت قدمها اليسرى وذراعها الأيسر بشلل تام مع اعوجاج طفيف في جانب فمها لليسار، كانت آلمها النفسية أكبر من أن يتحملها جسدها الهزيل فأعلن انهياره، في بداية الأمر لم تفهم مغزى أن تُصاب بالشلل عوضًا أن يرحمها ربها وتُذهق روحها، أين النجاة! فستظل تعاني من حياتها معه، ومعانتها ستتضاعف مع عجزها، ولأن حكمة الله لا نراها إلا بعد أن يرى هو ردة فعلاً عمَ أصابنا، فهذا ما حدث معها.. لم تدرك حكمته جلَ وعلَ في بداية الأمر لكنها لم تنقم الوضع، بل دعت الله أن يعينها عمَ بلاها بهِ، وبآخر الليلة الأولى لها في الفيلا بعد عودتها، كان يقف أمامها متسائلاً عن سبب ما وصلت له، ولم تتوانى وهي تخبره بكره تجلى واضحًا بنظراتها:

_ عشان مبقتش متحملة اكون زوجة ليك، مبقتش متحملة تقرب مني وتلمسني غصب عني، كل مرة بحس بسيخ نار بيكوي جسمي وقلبي، أنا هنا بس عشان مراد، واتحملت وبتحمل، لكن الي مقدرتش اتحمله قربك مني، كنت بتمنى وانا بقع إني مقومش تاني، كنت بتمنى يكون ربنا رحمني وخدني عنده، بس.. بس حكمته.

هل رأت نظرة ألم في عينيهِ!؟ بالطبع تتخيل، فهو لا يملك مشاعر حتى لترى نظرة كهذه، ولكن حديثه تاليًا شككها في أن تكون قد رأت تلك النظرة بحق:

_ للدرجادي؟ أنا كنت عارف إنك مش حابة قُربي، بس كنت بقول مع الوقت هتنسي وحبك ليَّ يغلبك وتتقبلي قربي، كنت بقول إني لو بعدت يبقى بصنع حاجز بينا عمره ما هيتشال بالعكس هيقسي قلبك أكتر.. لكن عمري ماتوقعت إنك فعلاً مش طيقاني كده، حبك ليَّ راح فين يا ليلى؟

(بكِ أحيا) ناهد خالد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن