مُختل!

1.9K 161 28
                                    

الفصل الخامس (مُختل!)

منتصف أكتوبر لعام ٢٠٠٦..
مرت أيام عدة لم يراها بها، ولأول مرة منذُ دلفت لحياته تغيب عنهُ هكذا، حقيقًة وبعد مواظبته على ممارسة رياضة (الكاراتية) التي لم يكن يستهواها لاسبوعان حتى الآن فهو لم يعد يخشى والده، لكنه يخشى عليها هي منهُ، وهذا ما يدفعه للابتعاد عنها، واليوم بلغ الاشتياق أشده فاتفق مع سائقه الخاص أن يقله لمدرستها بعد خروجه من مدرسته مبكرًا عن المعتاد على أن يبقى الأمر سرًا بينهما، ولأن السائق يعلم تعلق الصغيران ببعضهما كما يعلم صرامة رب عمله وقسوته على الصغير التي شهدها أكثر من مرة لم يعترض بل وافق بكل رحابة، وها هو يقف أمام بوابة مدرستها ينتظر خروجها، هي ليست مثله، ليس لديها سائق خاص ينتظرها ليقلها للمنزل، هي فقط ترتاد حافلة المدرسة مع الباقية، لم ينتظر سوى أربعون دقيقة فقط كان بامكانه الانتظار أكثر! ووجدها تطل عليهِ تسير وحيدة تمامًا ورأسها مُنكسة تطالع خطوات حذائها، بدت مهزومة بشكل ما! توترت ملامحه بقلق وهو يشعر بأنها تعاني من مشكلة ما، تحرك بخطواته حتى أصبح قريبًا منها فهتف باسمها ينبهها:

_ ديجا!

رفعت رأسها فورًا بعدما سمعت لصوته يناديها، ظنت في بداية الأمر أنها تتوهم لكن حين رفعت رأسها ورأته أمامها أدركت أنها لا تتوهم وأنه هنا! وفي اللحظة التالية كانت تركض لتحتضنه فلم تطل منهُ شيء سوى خصره الذي احاطته بذراعيها بقوة وقد سندت رأسها عليهِ، شدد هو الآخر من احتضانها مغمضًا عيناه مستشعرًا الشعور بها بعد كل هذه الأيام والتي ربما بلغت العشرين! مرت ثواني قبل ان ينتبه هو للوضع ففصل عناقهما حين لاحظ نظرات الفضول من حولهما، وحدثها بقلق بينما عيناه لم تفارق عيناها التي اشتاقهما:

_ مالك يا ديجا؟ في حاجة حصلت في المدرسة؟

نفت برأسها بحزن وهي تجيبه ببراءة:

_ لأ، بس أنتَ وحشتني.

ابتسم نصف ابتسامة وهو يردد بمكر:

_ ده بعد ما شوفتيني، لكن قبل ما تشوفيني كنتِ ماشية متضايقه ليه بقى؟

رفعت عيناها البُنية التي تجذبه دومًا وهي تردد بلمحة حزن:

_ عشان معنديش صحاب، بفضل طول اليوم لوحدي ومفيش حد بكلمه.

قطب حاجبيهِ باستغراب:

_ وليه معندكيش صحاب؟

رفعت منكبيها بجهل:

_ مش عارفه، بس كل البنات هنا ليهم صحاب تانيين، ومحدش بيحاول يصاحبني.

_ مش لازم هم الي يحاولوا يا ديجا، أنتِ شوفي بنت كويسة وحاولي تصاحبيها.

أخبرها بهدوء، لتنفي برأسها وهي تردد بضيق طفولي:

_ أصلاً أنا مش عاوزه يكون عندي صاحب غيرك.

(بكِ أحيا) ناهد خالد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن