المشهد الثالث

1.6K 79 0
                                    


راودني هاجس غريب وأنا جالسة في هذه الحديقة الشاسعة الغارقة في الخضرة بأن وجودنا هنا ليس لمجرد الاسترخاء وتأمل الطبيعة التي لا نرى نهاية مداها، بل لغرض آخر خفي، ستتضح معالمه قريبًا. لم أفلح في إخفاء التوتر الظاهر على محياي، ورغم هذا حافظت على هدوء نبرتي حين تحدثتُ إلى والدتي المستقرة بجواري:

-أأنتِ بخير؟

استشعرت الألم في التنهيدة المنفلتة من جوفها قبل أن يأتي ردها:

-فراق خالك المفاجئ أوجعني.

لففتُ ذراعي حول كتفيها لأضمها، وقلتُ:

-نحن الآن بجوارك، لا تقلقي...

سكت للحظة ثم تابعت في عزمٍ:

-وقريبًا سنغادر هذه البقعة لنعود إلى حياتنا السابقة.

تزعزع ما بداخلي عندما صدمتني بتعليقها المريب:

-لا أظن ذلك!

لم أعرف إن كانت استشعرت تصلب عضلاتي على كتفيها أم لا، سحبت ذراعي، وزويتُ ما بين حاجبي متسائلة في تحفزٍ:

-لماذا تقولين هذا الكلام؟

وكأنها أثرت الصمت على منحني ما يجيب عن استفهامي لئلا تثير غضبي، فهي تعلم تمام العلم أني أثور لأتفه الأسباب، فماذا إن كان ما تخبرني به كارثة حتمية؟ تحولت بناظري عنها عندما وجدت ذلك السمج الغليظ يظهر في محيطنا، حدجته بنظرة نارية، وملت نحو والدتي لأخاطبها في عبوسٍ واضح:

-انظري إلى ذاك الفظ!

لم أحد ببصري عنه وأنا أواصل الكلام:

-إنه لا يكف عن التحديق بي، وأنا حقًا أود خنــــقــه.

اغتظت عندما حذرتني بشيءٍ من التحيز:

-"آن"، تأدبي، ما تتفوهين به غير لائق، ولا تنسي أننا ببيت زعيم عائلة "سانتوس".

في التو أبديتُ سخطي في شكل عبارة تهكمية:

-بالطبع، فإنه منزل الأخيار.

أنذرتني للمرة الثانية بقدرٍ من الجدية:

-كفى سخافة.

تقدم نحونا فانتصبت في جلستي، وظللت أرمقه بحنقٍ، ارتفعت وتيرة الغضب في أعماقي عندما أمرنا بتحكمٍ لم أستسغه:

-هيا، إلى الداخل.

اشتعل وجهي غضبًا حينما رأيت "صوفيا" تستجيب له بخضوع مستفز، وتنهض من مكانها قائلة بإيماءة خفيفة من رأسها:

-حسنًا عزيزي "لوكاس".

احتججت عليه متعمدة وضع ساقي فوق الأخرى لأبدو وكأني أتحداه علنًا:

-من أنت لتأمرنا؟ سأظل جالسة هنا.

سألني في ترقبٍ، وهذه النظرة غير المريحة تطل من حدقتيه:

-أتعصين أمر الزعيم؟

انتقلت بعيني تجاه والدتي عندما كلمتني:

-"آن"، من فضلك.

تمسكت باعتراضي، فصحتُ في صوتٍ منفعل بعدما خفضت من ساقي:

-لا "صوفيا"، نحن لسنا كالدمي ليحركوا خيوطنا وقتما يشاءون.

هزت رأسها رافضة الإصغاء لي، وأولتني ظهرها متمتمة:

-سأذهب، أنا متعبة حقًا.

شيعتها بناظري وهي تغادر إلى أن اضطررت للنظر جانبًا حين خاطبني:

-ألن تتبعي والدتك؟

نظرت إليه بتعالٍ، قبل أن أبدو متعجرفة معه وأنا أرد:

-ليس من شأنك...

عدت لوضع ساقي فوق الأخرى مجددًا، وقلت في ترفعٍ مشوبٍ بالتهديد:

-ومن الأفضل أن تغرب عن وجهي وتبلغ زعيمك أننا سنغادر هذا المكان المقبض ونرحل.

تسارعت دقات قلبي عندما وجدته يجلس مجاورًا لي، أخفيت توتري من قربه المفزع، وادعيت عدم اكتراثي به وهو يُعلمني:

-الأمر ليس بهذه البساطة يا حلوة.

قال كلمته الأخيرة وهو يمد يده ليمسك بي من ذراعي، وقتئذ انتفضت كالملسوعة من موضعي، وصرخت فيه بنبرة محذرة لا تخلو من الغضب:

-ابتعد عني.

نهض بدوره ليواجهني، وقال باسمًا وقاصدًا الضغط على حروف كلماته، وفي عينيه نظرة غامضة جعلتني لا أشعر مطلقًا بالارتياح:

-لا أستطيع، ولا أريد.

ثم تجرأ ليضع يده على كتفي، فاتخذت وضعية الهجوم، وثنيت ركبتي وركلته بغتة بين ساقيه وأنا أهدر فيه:

-إذًا توقف عن لمسي يا (...)!

في التو تراجعت لمسافة بسيطة لأعطي لنفسي مساحة من الأمان، ورغم أني لم أصبه في مقتل، إلا أنه لم يتوقع مني ذلك، مما جعل ضربتي تسبب له ألمًا شبه موجع أسفل معدته، أغاظته فعلتي المتهورة، فاستقام واقفًا وهمّ بالرد في نبرة توحي باستمتاعه وهو يتقدم تجاهي:

-أوه، أنتِ حقًا مشاكسة..

بحسبةٍ عقلية بسيطة أدركت أن القــــتال معه لن يكون في صالحي الآن، وإن كنت أمتلك بعض مهارات الدفاع عن النفس، لهذا كان من الأسلم الفرار قبل أن تتطور الأمور للأسوأ، لم أظهر خوفي إليه، وواصلت الادعاء بأني ضجرت من البقاء معه، واتجهت إلى حيث سارت والدتي حتى ألج للقصر؛ لكن صوته العابث أتى من خلفي مرددًا:

-وهذا مشوقٌ للغاية!

وقتئذ أسرعت في خطاي لأبدو حقًا كما لو كنت أركض هربًا منه، وأنا بالفعل كنت هكذا.



يتبع >>>>>

المشاكسة المتمردة - ملحق غير قابل للحبМесто, где живут истории. Откройте их для себя