المشهد الثالث عشر

1.1K 70 0
                                    


كان من الأسلم تجنب الخوض في تفاصيل ما حدث، لهذا راوغت شقيقتي عندما سألتني عما دار بيني وبين "لوكاس" حينما أخذني قسرًا معه، منحتها ما يهدئ روعها، واقتضبت في الحديث لئلا أثير الضجة بتصرفي النزق. انشغلت معها بالبحث عن جواز سفري داخل حقيبتي، وبين متعلقاتي الشخصية، لم أجد سوى حافظتي الوردية، والبطاقات البنكية فقط. انتابتني الهواجس حينما عجزت عن إيجاده بين أغراضي، وما ضاعف من مخاوفي أكثر هو إبلاغ والدتي بأن "مكسيم" قد أخذه بحجة غير مقنعة، لحظتها ساورتني المزيد من الشكوك، وأحسست بوجود خطط غير معلومة ترتب في الخفاء، وبحرص واضح لئلا نكتشفها.

جفت دموعي ببطءٍ بعدما أصبحت فريسة لكل الاحتمالات غير المبشرة، حتى محاولات "ريانا" المستميتة لطمأنتي، وإقناعي بأنها قادرة على إبعادي من هنا كانت غير أكيدة، وذلك لأنها ببساطة عاجزة مثلي، ولا تمتلك القوة الكافية لمضاهاة رجال عائلة "سانتوس" الأشداء، إنه لمن الغباء أن تظن أن الحب وحده كفيلًا على إخضاع أعتى الرجال وأكثرهم قساوة.

قدر المستطاع تواريت عن الأنظار في الأيام اللاحقة، خاصة "لوكاس"، فلم أنسَ بعد طريقة تقبيله الشرهة لي، كنت أرتجف بشدة وأشعر بالخجل المشوب بالاستياء من حالي كلما تذكرت كيف قادني لحافة الجنون في لحظة جموحٍ غير مرتب لها، وكيف تجاوبت معه في انسيابية غريبة وكأني أريد ذلك وبشدة.

هذه الليلة تعذر علي النوم باسترخاءٍ، فتسللت متحسسة خطواتي في العتمة التي اعتدت عليها سريعًا متجهة نحو المسبح. نزعت عني ثيابي الخارجية، وقفزت في المياه الباردة وأنا أرتدي ثوب السباحة، حركت ذراعي معًا لأفرغ عقلي من تفكيره الطويل الذي يرهقني ليل نهار. لم أتوقف عن السباحة حتى أنهكت تمامًا، لحظتها فقط تمددت باسترخاءٍ على سطح الماء، وأنا مغمضة لعيني.

تشنج جسدي، وكدت أغرق حينما بدد السكون السائد من حولي صوته الساخر:

-ها أنتِ هنا.

حل علي كضيفٍ ثقيل، لا يُحبذ وجوده، في التو استدرت تجاهه متسائلة في نبرة هجومية، وقد تصلبت ملامحي:

-أليس لديك شيء آخر لتفعله غير إزعاجي؟

رأيته يخلع عنه ثيابه استعدادًا للقفز في المسبح، وإفساد لحظاتي الخاصة بحضوره غير المرحب به، حذرته في الحال وأنا أشير إليه بإصبعي:

-إياك أن تفكر في ذلك!

تحداني في استمتاعٍ واضح:

-وإلا ماذا؟

ظهر استخفافه الكامل بي عندما وثب في المياه ليسبح سريعًا وبخفة تجاهي، امتلأ صدري حنقًا وغضبًا، لم أستطع التظاهر بأني غير مبالية بمحاولة فرض نفسه علي، فحاصره الدائم لي كان باعثًا على الخوف الممزوج بالترقب؛ فأنا أخشى استغلاله لما أقدمت عليه سابقًا، ومحاولته لتكرار الأمر.

اتخذت موقفًا هجوميًا على الفور، وقمت بإغراق رأسه في المياه، كافحت لإبقائها لأطول مدة ممكنة، محاولة منعة من التقاط أنفاسه؛ لكنه جذبني بخشونةٍ من ذراعي، ونجح في رفع رأسه، ليقوم بعدها بمحاوطة عنقي، شدني منه تجاهه، وأطبق بشفتيه على فمي قاصدًا تقبيلي بشهوانية وقوة.

حاولت صدره، ومنعه؛ لكنه أصر على إذهاب عقلي وإسكار مداركي بطريقته الاحترافية في بث الأشواق الملتهبة. لم أملك من الخبرة الكافية ما يخولني لمقاومته، كنت مأخوذة ومبهورة بما يحدث، دفعني لحافة الجنون بمواصلته إذابة جبال الجليد العتية التي أصر على بقائها بيننا. تحركت أنوثتي الكامنة في أعمق أعماقي واستيقظت من سباتها، كما راحت قواي المدافعة تتراخى في تتابع لأبدو وكأني على وشك الاستسلام له وهو يدك حضوني المنيعة معلنًا بذلك نجاح غزوته المباغتة على مشاعري الحسية وسيطرته الكاملة على إرادتي.

اللئيم قرا الرغبة واضحة في نظرتي غليه، ولم يطفئ الشوق المتأجج في مكامني، تركني معلقة في المنتصف كأنه يريني أبواب النعيم، وقبل أن أطأها راح يغلقها في وجهي. شعرت بالخزي والندم من هذا التناقض الذي أصبحت عليه بوجوده، ضحك متلذذًا بتعذيبي، فرمقته بنظرة نارية، وسبحت بعيدًا عنه دون أن أفوه بكلمةٍ، ثم دفعت جسدي خارج المياه والتقطت ثيابي الجافة بعدما لففت حول خصري شالًا خفيفًا.

كنت متأكدة أنه يراقبني باهتمامٍ مبالغ فيه، ينتظر مني لومًا أو توبيخًا، أو أي شيء، تركته يستمتع بمشاهدتي أتجول هكذا بتخبطٍ، وغادرت في الحال آملة ألا يلحق بي. هرولت نحو الدرج لأعتليه؛ لكني تجمدت على السلم عندما التقيت بشقيقتي عليه. حاولت لملمة ما تبعثر من أفكاري المشتتة بخلق حجة سريعة أغطي بها على ما جرى، فهي حتمًا لن تتركني لشاني دون أن تستخبر مني عما أفعله في هذا التوقيت المتأخر من الليل.

انطلت عليها حكايتي غير المرتبة جيدًا بأن "لوكاس" مستمر في إزعاجي، وأني حاولت قتله، لهذا أبدو بهذا التوتر والارتباك. كنت ممتنة أنها لم تضغط علي كثيرًا، واستحثتني على العودة إلى غرفتي ومحاولة النوم. استجبت لها، وأكملت سيري إلى هناك وأنا ما زالت أرتجف من تأثير اقترابه الحميمي.

ضربت جانب رأسي بقبضتي، وقمت بتوبيخ نفسي في لومٍ:

-أأنتِ حمقاء؟ كيف تستسلمين لإغواء هذا الشيطان اللعين؟

كززت على أسناني، وتابعت عتابي القاسي:

-عليكِ البحث عن وسيلة للخروج فورًا من هنا، وإلا لـ آ...

عجزت عن إتمام جملتي، وكأني أرفض حتى الاعتراف بين جنبات نفسي بأني قد أنجذب –بل وأخضع تمردي- في يومٍ ما لشخصية غير سوية مثله.


يتبع >>>>

المشاكسة المتمردة - ملحق غير قابل للحبWhere stories live. Discover now