المشهد الخامس عشر

1.1K 65 0
                                    


بعدما انتهيت من الجدال مع شقيقتي، وإنذارها بتجنب إلقاء باقة الورد تجاهي، أو المشاركة في أي سخافة تشير إلى كوني العروس التالية، انتقلنا للخارج لتبدأ بعد برهة مراسم استقبال العروس المبتهجة مجازًا، انفصلت عنها محاولة البحث عن بقعة معزولة للانزواء بها والاختفاء عن الأعين المتلصصة بي خاصة "لوكاس".

فذهني لا يزال يخونني في كثير من الأحيان، ويستحضر مشاهدًا تفصيلية للملاطفات الحميمية التي دارت بيننا، توغل بي شعور الندم وكذلك نقيضه الطامع بتجربة المزيد. نفضت عن رأسي مثل هذه الأفكار ورحت أطوف ببصري على الضيوف. شعرت بوكزة خفيفة عند جانب ذراعي عندما أتت "صوفيا" إلي لتخاطبني:

-لماذا تقفين بعيدًا؟

نظرت إليها بحاجبين معقودين، فتابعت:

-هيا، اذهبي إلى "ريانا"، سنبدأ الآن.

همهمت ساخرة بصوتٍ لا أعرف إن كانت سمعته أم لا:

-العرض الهزلي.

على مضض تحركت نحو المقدمة، حيث من المفترض أن يقف العروسان في مواجهة بعضهما البعض، وأمامهما القس، ليقوم بتلاوة عهود الزواج، وإلقاء مباركته عليهما. لم أبتسم، ولم أجعل قسماتي مرتخية، ظللت واجمة، متجهمة، مقتضبة الجبين، كنت أبدو في عين المتواجدين بالفعل مجبرة على الحضور.

بعد وقتٍ ليس بقصير، بدأت العادات الإيطالية السخيفة المتبعة في الأعراس، توقعت أن يحاول "لوكاس" استغلال الفرصة لمضايقتي بطريقته، فهو يجد متعة عجيبة في إزعاجي وإفساد خصوصيتي بشكلِ فج ولا يُطاق، لهذا سعيت بشتى الطرق عدم التواجد في محيطه، أو حتى على مقربة منه.

اشتطت غضبًا، وكدت أثور عليه عندما تطفل علي أثناء تبادلي الحديث مع شقيقتي، وراح يلطم وجنتي بقطعة رابطة العنق التي حاز عليها من "فيجو" ليؤكد لي أني العروس القادمة.

اندفعت بعيدًا عنه، واتجهت إلى طاولة المشروبات، كنت بحاجة إلى تجرع ما يشتت تفكيري المشحون، ويلهي عقلي عن متابعة المجاملات السقيمة وفروض الولاء التي يقدمها كبار رجال العائلات الإيطالية للزعيم "مكسيم" وابنه.

مع الكأس الثالث التفت ناظرة إلى حلبة الرقص، كانت "ريانا" تتمايل في حركات متلاحقة وسريعة بين ذراعي "لوكاس"، لم يبطئ ذلك اللعين من إيقاع خطواته، وكأنه يحاول إهانتها بطريقة ماكرة. عندما أمسك بي وأنا أنظر إليه بعينين محتدتين شعرت بموجة من الارتباك تُصيبني، لم أفهم لماذا اضطربت هكذا فجــأة، باعدت نظراتي عنه، وعلى وجهه تعبير مزعوج، استدرت مخاطبة النادل ليملأ كأسي بالمزيد، تجرعت الخمر دفعة واحدة، وطلبته بسكب جرعة إضافية، وكأني بذلك أخمد الثورة الغريبة التي تهدد بالاندلاع بداخلي.

نفضة متوسطة القوة مصحوبة بدفقة من الوخزات نالت من جسدي حين شعرت بيد أحدهم تلامس أسفل ظهري في جراءة وقحة، أدرت وجهي للجانب بعدما نأيت بنفسي مسافة خطوة، لأجد "لوكاس" يبتسم لي بلزاجةٍ، اتجهت ببصري نحو يده عندما مدها بباقة الورد. سألته في تحفزٍ:

-ما هذا؟

أجاب بشيءٍ من التعجرف:

-أحضرتها لكِ، فأنتِ العروس القادمة.

ثم مال ناحيتي ليهمس لي بعبثيةٍ، وهذه النظرة الماجنة تتراقص في حدقتيه:

-فأنا أتطلع لرؤيتك في فراشي قريبًا.

استبد بي حنقي، فاختطفتها من يده في عصبيةٍ، وقمت بضرب صدره بها وأنا أصيح في نبرة شبه ثائرة:

-لن يحدث، مُطلقًا!

نظر إلى ما فعلته بالباقة معلقًا في استظرافٍ سمج:

-أوه، ستحزن شقيقتك لأنكِ أفسدتِ باقتها.

قلت في غير اكتراث، وصوتي لا يزال محتدًا:

-لا يهم، أفضل الموت على أن أكون لك.

شملني بنظرة لم تكن مريحة على الإطلاق، وأضاف في خبثٍ:

-ولكن ما يبديه جسدك من ردة فعلٍ يثبت العكس، أم أنكِ نسيتِ آ...

تعمد الإشارة بكلماته الموحية إلى ما حدث بيننا من تجاوزات، فأخرسته في أنفاس متشنجة:

-أنت حقير.

قست نظراته، واستطرد في لهجة جمعت بين الجدية والتهديد:

-تأدبي، وإلا قبلتك أمام الجميع!

برقت عيناي لوهلةٍ أمام فجاجة كلماته ووقاحة تهديداته، بالكاد كبحت نفسي قبل أن أتشاجر معه، وحدجته بنظرة نارية لأنسحب بعدها مغادرة المكان، ولساني يلعنه بهمهمات خافتة.


يتبع >>>>>

المشاكسة المتمردة - ملحق غير قابل للحبHikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin