المشهد العاشر

1K 72 0
                                    


أحمق من يظن نفسه قادرًا على البقاء بعيدًا عن موطن الخطر، وهو يقف بمفرده أعزلًا في غابة مليئة بالوحوش الضارية، كلها اتفقت وأجمعت على نهش لحمك قبل أن يرتد إليك طرفك. استغاثاتي وصرخاتي المتواصلة لم تردعه، ولم تمنعه من أخذي قسرًا. أحكم قبضتيه على أطرافي وهو يحملني حول كتفيه .. ظل يدندن بصافرته المستفزة حتى بلغنا غرفته، وقتئذ قام بإنزالي على الفراش، واتجه نحو الباب ليوصده، لأشعر بعنف دقات قلبي وتلاحقها في شكل مخيف يكاد يفقدني الوعي.

انتفضت بداخلي غريزة البقاء، ففتشت بعيني عما يمكنني استخدامه للزود عن نفسي إن تجرأ وفعل بي أي سوء. بالطبع لم أكن لأهزمه بسهولة؛ لكني لن أمنحه الأفضلية في شيء، سأدافع عن كبريائي وعفتي حتى الرمق الأخير.

التقطت عيناي المصباح الكهربي المضاء والموضوع على الكومود الملاصق للسرير، فقفزت دافعة جسدي تجاهه، ثم جذبته بأسلاكه من القابس، وقذفته في التو به لينصدم بفعلتي، بالكاد تمكن من تفاديه، فتهشم من خلفه بعدما ارتطم بالحائط، حملق في مدهوشًا قبل أن يهمهم:

-اللعنة! أنتِ حقًا مشاكسة.

رفعت إصبعي في وجهه لأهدده بأنفاس ناهجة:

-إن اقتربت مني سأقتلك.

أنهيت جملتي وأنا اجتذب المصباح الآخر استعدادًا لإلقائه ناحيته قبل أن أثب من على الفراش، لأجعله حاجزًا فاصلًا بيننا. رفع حاجبه للأعلى ورمقني بنظرة لم أستطع أن أحدد ماهيتها؛ لكنه أبدى إعجابه بتهوري:

-هذا مشوقٌ للغاية.

رأيته يخرج خنجره من غمده، ذاك الذي واجهته به سابقًا، وقال في شيءٍ من التحدي:

-إن تمكنتِ من إصابتي به، سأتركك، ولن أمسك بسوء.

ألقاه على الفراش ليغريني بأخذه، فلم أتردد، وانتهزت الفرصة لأمسك به دون أن أترك أيضًا المصباح من يدي الأخرى.

انتظر "لوكاس" أن أبادر بالهجوم؛ لكني لم أفعل، ظللت باقية في موضعي، سدد لي نظرة ضجرة قبل أن يعلق مستخفًا بي:

-هيا، أنا أنتظر، ليس لدي النهار بطوله لأضيعه هنا.

وجدته يوليني ظهره، ويجلس على طرف الفراش، نازعًا عنه حامل الأسلحة الجلدي، تركه بجواره، وقام بخلع قميصه، لتظل عيناي وحواسي متأهبة لأقصى درجة، فقد كنت أستشعر تدبيره لمكيدة ماكرة للإيقاع بي، لهذا ظللت على حذري التام منه. انتفضت برعشة خفيفة عندما تكلم فجأة وهو يدير رأسه ناظرًا تجاهي:

-هل ستقفين عندك كثيرًا؟ أم أنك تحبين مشاهدتي وأنا أتجرد من ثيابي؟

تورد وجهل خجلًا من جراءة كلماته الفظة، كنت مترددة بعض الشيء، مشوشة الذهن والتفكير، فأي قرار سأتخذه الآن عواقبه لن تكون محمودة. يبدو أنه استشعر حالة التخبط المستحوذة علي، فأردف هازئًا بي:

-ما الذي حدث لكِ أيتها القطة البرية؟ هل فقدتِ شجاعتك فجأة؟

إنه حقًا يجيد إفساد محاولتك للبحث عن السلام النفسي، كان يستثير بشتى الطرق نزعة القتـــال بداخل أحدهم لدفعه للتشاجر معه، ورغم ذلك رجحت لغة المنطق، وأخبرته فيما بدا أشبه بعاصفة كلامية قاسية موجهة لشخصه:

-لا، لكنك لا تستحق أن أخسر مستقبلي المشرق لأجلك، فأنت مجرد حثالة، مصيرك الموت في النهاية بيدي أو بيد غيري.

ظننت أني نجحت في إثارة غضبه، حين نهض واقفًا، لدهشتي التفت إلي قائلًا بتعابير مرتخية، وعلى محياه ابتسامة لزجة، كأن ما قلته لا يهم:

-وأنا أفضل خسارة حياتي على يدك.

حينما وقف أمامي عاري الصدر، مشدود العضلات، رأيتُ وشومًا مخيفة مرسومة على كامل جلده، كأنما وُلد بها، بالإضافة لعددٍ لا بأس به من الندوب الحديثة والقديمة، آخرها هذا القطع النازف الذي أحدثته شقيقتي به.


يتبع >>>>

المشاكسة المتمردة - ملحق غير قابل للحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن