المشهد الخامس

1.3K 72 0
                                    


تميزت الغرفة التي تم تخصيصها لنا بكونها شاسعة، مرتبة، ومُعطرة. بدت وكأنها غرفة فندقية عن اعتبارها غرفة نوم عادية، كان بها كل ما نحتاج إليه لنشعر بالراحة والاسترخاء، ومع ذلك لم أطق البقاء فيها، فقد مثلت لي سجنًا من قضبان ذهبية يأسر حريتي ويطبق على أنفاسي. استغربت من إحضار حقائبي الشخصية، كنت قد تناسيت أمرها بعدما خرجت من المطار، ربما تفصيلة كهذه غفلت عنها في خضم ما مررت به؛ لكن أحدهم اهتم بشأنها، وهذا يؤكد لي وبقوة أنه لا مجال للخطأ في هذا العالم القـــــاسي.

بقيت اليوم الأول حبيسة الغرفة، منزوية بها، رافضة للخروج أو الاختلاط بأصحاب ذلك القصر، خاصة من لا يكف عن ملاحقتي، فلا طاقة لي بالتشاحن معه. جاءت إلي "ريانا"، وسردت لي بشيءٍ من المراوغة عن أسباب قبولها بالزواج من الزعيم المنتظر "فيجو"، لم أقتنع بمبرراتها، ظننت أنها استسلمت لإغراء السلطة والنفوذ حينما تم اختبار قناعاتها في تجربة حقيقية، أو ربما أردت من داخلي تصديق ذلك الاتهام لأعطي لنفسي الحق في لومها عن إبداء موافقتي لاختيارها المصيري.

عندما حلَّ المساء، قررت الخروج من عزلتي، والتجول بالقصر لاكتشافه أكثر، أو لنقل أني رغبت في القضاء على ذلك الشعور الخانق الجاثم على صدري، استعنت بالخادمة لترشدني إلى الطريق المؤدي إلى الحديقة، لئلا أدخل مكانًا غير مصرح لي بالدخول فيه وأتعرض للتقريع أو المضايقة.

كانت نسمات الهواء رقيقة، وباردة إلى حدٍ ما، فشعرت بانتعاشة لطيفة في جسدي، أما الإضاءات الخافتة فقد أضفت لمحة ساحرة على المكان، وعندما نزعت حذائي لأسير بيسرٍ على العشب الرطب اكتمل بأعماقي ذلك الشعور اللذيذ الذي غمرني، ربما لأصبح كل شيء مثاليًا لولا أن وردني هذا الاتصــال الهاتفي غير المتوقع، نظرت إلى اسم المتصل بصدمةٍ مستنكرة، وكأن عقلي قد تحفز مرة واحدة ليعيد إلى ذاكرتي باختصار موجز تفاصيل ما جرى مؤخرًا قبل أن أقرر فجأة القدوم والمشاركة في عزاء خالي "رومير".

كنت أتشارك مع إحدى رفيقاتي غرفة السكن بالنزل الجامعي، لم نكن مقربتان بدرجة كبيرة؛ لكن مع الوقت أصبحت صداقتنا معقولة، حدث أني انهمكت في واحدٍ من مشروعاتي الدراسية، وكنت آنئذ مرتبطة بأحدهم، انشغلت عن صديقي المقرب، فاستغل الفرصة ليتودد إلى رفيقتي هذه دون علمٍ مني، ظل كلاهما على علاقة سرية لوقتٍ لا أعلمه، وحينما اكتشفت خيانتهما لي مصادفة طار عقلي، انهار عالمي تمامًا، وأوجعني شعور الغدر، خاصة أنه جاء ممن وثقت بهما، حين أتت مسألة السفر الفجائية للمشاركة في عزاء خالي، اتخذتها كوسيلة مناسبة لترك كل شيء وراء ظهري والهروب لبعض الوقت حتى أستعيد اتزان عواطفي.

سحبتُ نفسًا عميقًا، وقررت الرد على اتصاله، لأظهر له مكانته الحالية؛ شخصية نكرة، وجودها والعدم سواء. أجبت عليه في حدةٍ:

المشاكسة المتمردة - ملحق غير قابل للحبWhere stories live. Discover now