المشهد السادس

1.2K 70 0
                                    


أخذت الغمامة الداكنة التي حجبت الوعي عن مداركي في الانقشاع، لأشعر بعقلي وهو يتيقظ تدريجيًا من سكونه المريب، ومع ذلك لم أكن ممانعة من البقاء في دوامة هذه الضلالات، فقد كنت فاقدة للرغبة في الاستجابة للإشارات الحيوية التي يرسلها لباقي أطراف جسدي ليستحثني على الإفاقة كليًا مما اعتبرتها غيبوبتي الاختيارية.

النحنحة الرجولية الخشنة القريبة مني نبهت حواسي أكثر، فتململت في استلقائي، وشرعت أفتح جفني ببطءٍ، شعرت لحظتها وكأن الضوء يسطع بقوة، فآلمني إلى حدٍ ما، لذا عاودت غلقهما لبضعة ثوانٍ قبل أن أكرر المحاولة. صوته المألوف أجبرني على الاستدارة برأسي للجانب عندما تكلم فجأة مبددًا الصمت السائد في الأرجاء:

-أخيرًا أفقتِ..

تلقائيًا احتدت نظراتي نحو "لوكاس" الذي كان جالسًا باسترخاءٍ واضح على المقعد المجاور للفراش الذي أتمدد عليه، راح يرمقني بهذه النظرة الغامضة التي لم أفهم فحواها، تابع كلامه إلي في شيء من التهكم ليستثير دمائي:

-كنت سأضطر لتبرير ما حدث لكِ، وانا لا أملك أدنى فكرة عما أنتِ متورطة فيه.

كان بارعًا في إخراج أسوأ ما في النفس البشرية من سماتٍ غير محمودة، بأسلوبه المستفز في الحوار، كدت أردت عليه، لكني قررت أن أتجاهله، فذلك قد يكون أقوى تأثيرًا من إعطائه فرصة كتلك.

أبعدت نظرتي الحانقة عنه، وبدأت أتأمل المكان من حولي بنظراتٍ حائرة مشوبة بالفضول. منذ الوهلة الأولى استوعبت أني لست بغرفتي، في لمحات خاطفة تأملت محتوياتها، فوجدت أنه يغلب عليها الطابع الذكوري، يبدو أن ذلك الفظ راقبني وأنا أطوف ببصري على الأركان، فبادر مستطردًا في قدرٍ من الغرور والعجرفة:

-لا داعي للحيرة، أنتِ في غرفتي.

ما إن أدلى بتصريحه الصادم ذلك حتى انتفض راقدة على السرير، ونظرت إليه في ذهول ممزوجٍ بقليل من الحرج، فما الذي قد يظنه الآخرين عني إن اكتشفوا تواجدي بنفس المكان معه؟ استفقت من لحظة الاندهاش التي استحوذت علي لأسأله:

-ماذا تقول؟ كيف حدث ذلك؟

انتصب في جلسته ناظرًا إلي بتسليةٍ، ثم أجابني بعد زفرة متمهلة:

-كنتِ تلعنين أحدهم هاتفيًا.

بدأت في استرجاع تفاصيل ما جرى قبل أن أفقد الوعي، فاتضحت الصورة كاملة في ذهني، لذا لم أحبذ على أي حال خوض أدنى نقاش فيما يخص هذا الأمر. تجاوزت عن حرجي المحسوس، وأزحت الغطاء الحريري عني جسدي لأنهض من موضعي ويداي تفتشان عن هاتفي المفقود. بالطبع لم أكلن لأسلم من مراقبته الحثيثة لي، فقال باسمًا في لؤمٍ:

-أتبحثين عن ذلك؟

عفويًا رفعت عيني إليه لأجده ممسكًا بهاتفي في يده، ويلوح لي به بطريقته المغيظة. في التو قفزت من الفراش صائحة فيه بلهجةٍ آمرة:

-أعده لي.

نهض بدوره ليواجهني، ثم أطبق عليه بين أصابعه بقوةٍ، ليخبرني في استمتاعٍ، وهذا التعبير الماكر يسود ملامحه:

-أبهذه البساطة؟

في عصبية غريبة اندفعت تجاهه لأمسك به من تلابيبه وأنا أصيح فيه بصوتي الغاضب:

-أيها اللعين أعطني إيه.

تعمد رفع ذراعه للأعلى لئلا أتمكن من الوصول إليه، وقال هازئًا مني:

-يبدو أنكِ استعدتِ شراستك أسرع مما تخيلت.

تركني ألكمه في صدره، وفي ذراعه دون أن يصد ضرباتي، اكتفى بالضحك ساخرًا مني، ليضيف بعدها:

-يعجبني إصرارك.

هتفت في انفعالٍ، وأنا أضربه بيدٍ، وبالأخرى أحاول التقاط هاتفي:

-سأقتلك يا هذا.

استمر في ضحكه المستهين بي، ليكمل وصلة استخفافه:

-هيا، لا مانع لدي.

يبدو أن حركتي الفجائية قد سببت لي دوارًا عنيفًا، حيث أحسست بأن الأشياء من حولي تهتز دفعة واحدة، فتوقفت عن الاقتتـــال معه، وترنحت في وقفتي، لأضطر دون وعي للاستناد بقبضتي على صدره.

استشعر "لوكاس" ما حل بي من عدم اتزان، فطوق ظهري بذراعه ليسندني وهو يتساءل بصوتٍ تحول للجدية تمامًا:

-ماذا بك؟

نظرت إليه في عجزٍ قبل أن أهمهم بصوتٍ خافت:

-اللعـــنة!

آخر ما أتذكره أني أرحت رأسي الثقيل على صدره، لأشعر بنبضاته المتلاحقة تخترق أذناي قبل أن يزور مداركي مرة أخرى ذلك الظلام الحالك.


يتبع >>>>

المشاكسة المتمردة - ملحق غير قابل للحبWhere stories live. Discover now