18.

26 4 2
                                    

هذا النضال الكبير

وهذه المجازفة المستحيلة

وهذا الإحتمال الصغير

كلها لا تعنيني

وهذا أنا،منكشفٌ بين يديكِ ترين ما بيني وبيني

وهذه أنتِ

وحدكِ ما تعنيني.

....

يرتكب الناس جرائم القتل للحصول على المال، وتندلع حروبٌ وصِراعات لأجل المال كذلك، ويرتكب الناس آثامًا تحرقهم سنواتٍ وسنوات جراء الإنقياد خلف شهواتهم، شهوات لا تدوم بقدر الأسى الذي تحدثه، قد يدوم سنيناً أو للأبد، حيث أن المال والشهوة يعميان البصيرة فلا تميز بين صوابٍ وخطأ.
شيءٌ آخر يعمينا ويفقدنا بصيرتنا، يُحول أرشد وأعقل الناس إلى أحمقهم، يجعل من لا يمشي خطوةً للجنة يمشي أميالاً من أجله، ويمشي كذلك للجحيم راضياً ومتلذذاً بما يناله من عذابٍ ممتعٍ يحبه ويبتغيه، يمكنه أن يجعلك تدور حول نفسك، ترقص في الشوارع في برد ديسمبر وحر سبتمبر، ويجعلك -في الجانب السيء منه- لا تقوى على الحراك والنهوض من سريرك لأيام.
هذا ما يحدثه الحب في بني الإنسان، يحول فرداً إلى جماعة في عين أحدهم، ويجعل الجماعات غير ذي قيمةٍ في عينه، يجعلك تبتغي أن يمتلكك من تحبه بقدر ما تبتغي أن تمتلكه،الحب محرك يعمي الإنسان، يجعله أسعد المخلوقات وأتعسهم، أنعمهم وأشقاهم،تارةً يحييك وتارةً أخرى يميتك.

قد أمضيت ما سبق من الأسابيع متنعماً في الحب الذي إحتلني رُغماً عني،قضيت العطلة وآرياندا ما بين أحاديث الهاتف ولقاءاتٍ في منازلنا وأي مكانٍ تأخذني هي إليه، لعمري لو أنها تقودني إلى الموت لأرتضيت الموت لنفسي بين يديها ذوات الدفء الكبير، كنت مقيداً بسلاسل وهمية قيدتني هي بها دون أن أشعر، في أي لحظةٍ تبتعد عني أشعر أن حياتي سُلبت مني، وما أن تعود لتقترب حتى تعود حياتي، في جلساتنا تتحدث هي وأنا أحدق بها، أحدق بالفِردوس التي أمامي، والجنتان القابعتان تحت رِمشيها.

أما وقد إنتهت العطلة، وبدأ فصلٌ دراسيٌ آخر، فقد إختلف حماسي له عن حماسي للفصل الذي سبقه، وإني لا أمتنع عن ذِكر السبب عجزاً لغوياً بقدر ما أنه معلوم، فهي كانت كل الأسباب التي أحتاجها ، لأعيش وأكون، وكل مبرراتي لما أفعله وأحبه، هي كانت تُعطي للأشياء المجردة من الأسباب أسبابًا، لماذا قد أستيقظ ليلاً في ساعةٍ متأخرة غير أنها تتصل بي؟ لماذا لا اتناول طعامي غير أني متشوق لملاقاتها؟ لماذا لا أجد وقتاً اجالس عائلتي به غير أني أنا ووقتي فداءٌ لها؟ هي السبب دائماً لكل شيء.

....

في الساحة المدرسية حيث إعتدنا أن نلتقي بعيداً عن فوضى العالم، أجلس وآرياندا متقاربي الأجساد ممسكين بأيدي بعضنا نحدق في السماء العالية شديدة الزُرقة، وتلامسنا نسمات الهواء اللطيفة المعلنة عن يومٍ مشمس بعد أسبوعٍ مليء بأمطار أواخر نوفمبر.

"هل تعلم أنني أحب الشمس"

"أعلم، وتكرهين الشتاء حيث لا نرى الشمس إلا نادراً"

"نعم، أكرهه"

أغمضت عيناي وانا أشعر بدفء يدها اليُمنى وهي تداعب يدي بأناملها، تحركها بلطفٍ وهدوء بطريقةٍ محببةٍ تشعرني بالسكينة والراحة.

"توم"

نادتني بصوتها الأنثوي الحنون الذي يجتاح أعماق روحي، بصوتها الذي يجعل لإسمي مذاقاً خاصاً وشعوراً رائعاً وهي تنطقه بشفتيها.

"ماذا آري؟"

"لا أريد أن تنتهي هذه اللحظة وهذه السعادة،أريدها أن تدوم للأبد"

أرعبتني -ولأول مرة- فكرة أن لا أبدية في الدنيا، أن كل شيءٍ سينتهي في أجلٍ مقدرٍ له أن ينتهي به، أن الأرقام هي وحدها الشيء اللانهائي، بعد أن كنت أرى الفناء الشيء الأفضل في العالم، ما عُدت أريد الفناء، أريد انا أيضاً أن تدوم لحظتنا هذه للأبد، ولو أنه يوجد كونٌ آخر -لو نغض النظر عن أن الكون أيضاً قد ينتهي- تدوم فيه الأشياء، سأصبر على دوام البؤس لتدوم لحظةٌ سعيدةٌ معها.

وماذا عساي أقول لها؟ بعد ما عانته من شقاء ذلك اللعين؟ بعد خوفها مما قد جعلها تعيشه وتقاسيه، وخوفها من أن تعانيه مرةً أخرى،بعد أن جعلها ترتجف من تكرار الحُب، وإقتراب البشر لها ! أأقول أنها سعادةٌ مؤقتةٌ ستنتهي؟ أأقول أنه لا وجود للأبدية؟ ما حيلتي ضد قانون الزمان !  وطبيعة أجسادنا الفانية، وأرضنا التي تعاني مثلنا وما عادت قادرةً على تحمل بؤسنا وخطايانا وحروبنا وتدميرنا لها، وشمسنا التي قد تنطفئ، ليش بيدي غير أن أدوم لها حتى الموت، هذا ما بمقدورنا أن ندومه، إلى الموت.

إن لم تشأ الحياة أن تُرينا نهاياتٍ أخرى.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Apr 20 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

أربعٌ وعِشرونَ عُذرًا ولونًا . Where stories live. Discover now