2-عندما يطبق الفخ

3.9K 76 7
                                    

حملقت روز في خافيار ، ثم دفعت رأسها الى الخلف :" لو كنت أمضيت السنوات القليلة الماضية في المناطق المتوترة في العالم ، كما فعلت أنا ، وكان عليك ان تصلح الضرر الذي يلحق بالفتيات الصغيرات لما وجدت هذا الموضوع مسليا ".
لوى خافيار فمه، للطريقة التي كانت روز تنظر بها إليه ، ثم قال بهدوء :" يبدو انني كدرتك ولم تكن هذه نيتي ، وأنا اعتذر من كل قلبي ".
فقال أليكس :" لا تقلق لهذا ، خافيار. فروز تملك طباعاً حادة ، ومن سوء حظك أنك طرقت موضوعا حساسا بالنسبة اليها . لكنها ستنسى ذلك ".
-ارجوك يا خالي ، يمكنني التحدث عن نفسي .
قالت هذا متجاهلة اعتذار خافيار . فهي تكره الظلم مهما كان نوعه وخصوصا ظلم الاطفال . وفي اعماقها ما زالت تشتعل غضباً وكراهية بسبب تصرف خافيار نحوها عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها ، ولا تكبر الاطفال كثيرا . كانت تجاهد لوضع هذا الماضي خلفها . لكن رؤيتها لخافيار مرة اخرى ، قد أعادت الى ذهنها كثيرا من الذكريات المرة . اما هو ، فيبدو أنه لم يتذكرها . تباً له!

كانت روز تعرف الفندق الذي يقصدونه لتناول العشاء فعندما كانت صبية صغيرة ، كانت تمضي معظم عطلاتها المدرسية في بيت خالها في مدينة يوركشاير . وكثيرا ما كانت تتناول العشاء فيه . جلست تيريزا عند طرف المائدة المستطيلة ، بينما جلس زوجها عند الطرف الآخر . وعندما رأت روز خالها وزوجته يجلسان ، أسرعت وجلست بجانبهما فهي لم تشأ أن تجلس إلى جانب خافيار . لكن ارتياحها كان قصير الأمد ، فما ان رفعت بصرها حتى اكتشفت ان خصمها يجلس قبالتها مباشرة مع آن وجيمي بجانبه .
اصطدمت نظراتها المجفلة بنظرات خافيار . وللحظة خيّل إلى روز أنها رأت شيئاً قاتماً شريرا يلمع في اعماق عينيه ، فأسرعت تختبئ خلف قائمة الطعام. لكنها لم تستطع ان تركز افكارها على الاطباق التي تحتويها . فأفكارها كانت مشغولة للغاية بالرجل الصلب الساخر الذي امامها . دارت في ذهنها اسئلة كثيرة : لماذا حضر خافيار إلى هنا وحده؟ إنها تعلم تماماً أنه متزوج ، فأين زوجته إذن؟ هل لديه أطفال؟
أخذت تتساءل وقد خفق قلبها .
ألقت على خالها نظرة جانبية . فهو وزوجته وآن أسرتها الوحيدة ، بعد أن قتل والداها في حادث تحطم طائرة وهي في السابعة عشرة من عمرها . وعندما تتزوج آن وجيمي ، ما الذي سيحصل لها؟ إنها لا تستطيع احتمال فكرة ان يكون خافيار عضواً من أسرتها . لن تستطيع أبداً ان تستمر في التظاهر بعدم معرفتها به . وفي الواقع ، يساورها الشك منذ الآن في قدرتها على قضاء العطلة الاسبوعية من دون ان تخبر الرجل بشعورها نحوه بالضبط ، وهو أنه فظ كريه مراوغ متعصب . فهي تكرهه بعنف يتناقض مع طبيعتها المحبة . ولم تكن مزهوة بهذا الشعور ، لكنها لم تستطع منع نفسها من ذلك .

-هل قررت ما ستطلبينه من طعام، روزالين ، أم أختار لك بنفسي؟
قاطع أفكارها بصوته العذب الشجي . جرأته على هذا الاقتراح جعلت أعصابها الحساسة تتوتر ، فأنزلت قائمة الطعام وأخذت تتأمل وسامته الخشنة بعينيها العاصفتين .
تلك الندبة ستبدو قبيحة في وجه أي رجل آخر ، أما هو ، فقد منحته هالة من القرصنة وزادت من جمال ملامحه . أدركت انه يتعمد مضايقتها بما عرضه عليها .
ألقت قائمة الطعام على المائدة :" لست بحاجة الى عون منك . أطلب سلطة قريدس وبطيخاً اصفر ".
-هل تتبعين رجيماً للحفاظ على قوامك؟ لست بحاجة الى ذلك صدقيني ، لأن قوامك متناسب بدقة بالغة . لابد ان الكثير من الرجال غيري قد اخبروك بذلك .
قال هذا رافعاً حاجبه بهزل .
لم يفقد شيئاً من سحره الاسطوري . نعم ، إنه ماهر! حسناً ، يمكنهما القيام بهذه اللعبة معاً . قالت روز تدعي الخجل وهي تنظر إليه مرفرفة بأهدابها :" أنت تتملقني ، سنيور ڤالدزبينو".
قال لاوياً شفتيه :" خافيار من فضلك . وانا لا اتملقك فأنت امرأة رائعة الجمال من كل النواحي ".
وسكت لحظة ثم عاد يقول وهو يتأملها :" إنه جمال كامل ، من الإجرام أن تفسده رغبة حمقاء في النحافة ".
كلامه عن النحافة بدا مألوفاً بشكل مخيف ، فقد قال الكلام نفسه تلك الليلة التي امضاها معها . ضاقت عيناها وهي تنظر الى وجهه الاسمر بحذر ، لكن ملامحه لم تكشف لها شيئاً . فأجابت وهي ترغم نفسها على مواجهة نظراته الساحرة :" آه ، انا لا استعمل قط نظاما للنحافة . كل ما في الأمر أنني احب السلطة ، وانا اراهن على انك ستطلب شرائح لحم البقر ".
ثم اضافت وهي تفتح عينيها على اتساعهما بدهشة ساخرة :" آه ، ربما لا! فقد نسيت أنك ثور ".
وأرادت ان تضيف كلمة أخرى لكنها امسكت لسانها في اللحظة الأخيرة .
فقالت جين مؤنبة :" روزالين ، كيف تقولين هذا !؟ "
كانت روز مستغرقة في تبادل الكلام مع خافيار فلم تنتبه ان الآخرين قد سكتوا عن الكلام ليسمعوا حديثهما . لكن الضحك في عيني جيمي وآن أنبأها بأنهما سمعا ذلك .
-ماذا؟
ألقت روز هذا السؤال وهي تنظر الى المجتمعين حول المائدة . ثم هزت كتفيها وتابعت تقول :" ما أعنيه أن خافيار إسباني ، وكما فهمت ، في اسبانيا يأكلون الكثير من لحم البقر . وهذا ما يجعلهم يحبون مصارعة الثيران ".
قالت هذا متصنعة البراءة ، وتملكها الارتياح عندما رأت ان خالها وزوجته اقتنعا بذلك . لكن نظرة منها الى وجه خافيار انبأتها بأنه لم ينخدع .
التوى فمه بابتسامة جافة ، فقد ادرك أنها تقصد إهانته :" هذه الألفة الفورية بين غريبين هي أمر محير تماماً . وكأنك قرأت افكاري ، ياروزالين ، فأنا سأطلب سمك سلمون مدخن في البداية ، ثم شرائح لحم البقر . ولن اتردد في تناول لحم البقر الانكليزي، مع ان كل الدول الاوربية ترى ان من الافضل تجنبه لوقت طويل . فأنا واثق أنه لذيذ تماما كلحم الثور الأسباني ".
قال ذلك بشيء من السخرية لم تفتها ملاحظتها . وأنقذها من الجواب قدوم النادل ليأخذ طلباتهم .
وصل اول نوع من الطعام ، فقررت روز ان تبقى رأسها منحنياً فلا تتحدث الا اذا تحدثوا إليها ، لكن ذلك لم يكن سهلاً تماماً .
أصر جيمي ، وقد برح به الحب ، عل شرب نخب كل شخص ، بما في ذلك روز :" لو انك لم تؤجري بيتك في لندن ، ربما ما كنت سأتعرف الى آن ".
فقالت روز ضاحكة :" أرجو ألا تندم على ذلك ، فأنا أعرف ان آن فتاة صعبة المراس . اتذكر يوم كانت في العاشرة من عمرها وانا في الثامنة عشر وحاولت اقناعي بان نذهب الى الصيد على حمارين كان خالي أليكس يحتفظ بهما حينذاك . ما كنت لأمانع في ركوب الحمار لكنني لم اوافقها على الصيد فأنا لا احب قتل الحيوان! " .
مال خافيار الى الامام قليلا بعد ان ازاح طبقه جانباً فأصبح وجهه بمستوى وجه روز :" هذا حديث ممتع. هل تحبين ركوب الخيل، روزالين؟ "
سألها باسما ، فنظرت في عينيه بجرأة وقد ادركت ان سؤاله لا صلة له بالصيد . كان اللمعان الذهبي للصياد البدائي يتألق في عينيه . هذا الرجل اعتاد ان يحصل على اي امرأة يريدها دون بذل كثير من الجهد .
أجابته بمرح وبلهجة واقعية ، متجاهلة التحدي الذي ظهر في عينيه :" اعتدت ركوب الخيل عندما كنت احضر لزيارة بيت خالي . ولكن لم تسنح لي فرصة لذلك منذ اعوام ، إلا إذا كنت تعتبر الجلوس على ظهر جمل في صحراء "كالاهاري" هو كركوب الخيل. لكنني اشك كثيرا في ان يعجب هذا الامر رجلا مثلك.... ذا وضع اجتماعي هام ".
-قد يتملكني الأغراء لذلك إذا انت صحبتني . المرأة الجميلة حافز قوي لإنجاز أي شيء .
قال هذا بصوت عميق مغرٍ ، فنظرت إليه بهزل . انه امر محير! حتى عندما يغازلها ، يبدو في نظراته نوع من الشرود يتناقض مع المجاملات التي بيديها . لكن روز لم تشا ان تضيع الوقت سدى في تحليله . لم تكن تريد أي صلة معه.
-انت تضيع وقتك سدى يا سنيور ڤالدزبينو .
-آه ، لا اظن ذلك . وغلى كل حال ، ما زال الليل في اوله .
استند خافيار الى ظهر كرسيه ثم عاد ينظر إليها قائلا :" مع معرفتنا لبعضنا اكثر فأكثر ، من يعرف ماذا سيحدث يا عزيزتي روزالين ".
نطق بكلمات الإغراء تلك ببطء يغيظها وضحك الجميع لقوله هذا من كل قلوبهم ، فيما ابتسم هو ابتسامة عريضة ، لكن روز وحدها لاحظت ان ابتسامته لم تصل الى عينيه . فردت بحدة :" لا اظن ان زوجتك تجد قولك هذا مسلياً"
راح يتفحصها من تحت أجفانه الثقيلة . ثم سألها بنعومة :" وما الذي جعلك تظنين ان لي زوجة؟ "
انتبهت روز الى الصمت الشامل الذي استقبل به قولها هذا والتوتر المفاجئ الذي بدا على الرجل امامها . وأدركت انها كشفت تقريباً عن معرفتها السابقة به . فكرت بسرعة محاولة ان تخفي اضطرابها بلومه على موقفه المتعصب السابق :" حسناً ، بالنسبة الى رجل في سنك مع وجهات نظرك تلك.... تصورت ان تكون متزوجاً ولديك ثلاثة او اربعة اولاد عند قدميك ، وربما امرأة حبلى في البيت ".
قالت هذا وهي ترفع حاجبيها هازلة .
_ قوة الملاحظة لديك رائعة حقاً ، حتى ليكاد المرء يظن أننا سبق وتعارفنا من قبل .
تصلبت روز . لقد عرفها ! لكنه تابع يقول ، وصوته بعناد ملامحه : " نعم ، كنت متزوجاً ولكن ليس لدي اولاد مع الأسف . وقد ماتت زوجتي منذ سنتين " .
_ آسفة .
تمتمت بذلك وقد احمر وجهها وتمنت لو أن الأرض تنشق وتبتلعها . قفزت آن واقفة لتجنبها المزيج من الارتباك بقولها :" المعذرة ولكن علي الذهاب الى الحمام. هل تأتين معي روز؟" 
انتهزت روز هذه الفرصة للهرب فوقفت وسارت خارجة من الغرفة مع ابنة خالها . 
-يا ألهي روز ماذا تحاولين ان تفعلي؟ تنهين خطوبتي قبل ان تبدأ؟ 
قالت آن هذا وهي تجرها من ذراعها . 
-لا ادري ماذا تعنين؟ 
قالت روز هذا مستنكرة وهي تنظر الى الجدران المبطنة بالمرايا ثم الى آن وقد تملكها الاضطراب لمظهر القلق على الوجه الجميل.
-آه لأجل الله روز! خافيار فالدزبينو هو رأس الاسرة . لقد تقاعد ابوه الدون بابلو اورتيغا فالدزبينو وهو مريض جدا . وهكذا اذا صمم خافيار على منع زواجي من جيمي فيمكنه ذلك ... انا اعلم ان جيمي يحبني لكن خاله هو الذي يدفع نفقاته واقساط  الجامعة وما زال أمامه سنة ليتخرج . الغاية من هذه الحفلة ان تتوحد اسرتانا وانت لم تفعلي شيئا سوى أهانة خافيار منذ تعرفت . ماذا حدث لك؟ إنه رجل ساحر مهذب كبير السن قليلا لكنه ليس قبيح الشكل باستثناء الندبة ... هل هي الندبة؟ ونظرت الى آن إليها متسائلة بحيرة :" أنت طبيبة! ولا اصدق ان امرا كهذا يؤثر على رأيك فيه". 
-لا, لا .... كلا بالطبع! 
أنكرت روز هذا بعناد وقد تأثرت لفكرة أن تظن آن بها ذلك :" لم أدرك قط مبلغ اهميته بالنسبة إليك والى جيمي . لا بد ان دايفيد وتيريزا ثريان ايضا . المزرعة فسيحة ثم هناك اصطبلات خيول السباق . ألا تظنين انك تولين رأي خال جيمي اهمية اكثر مما يستحق؟" 

حب .. وخط أحمر!  " جاكلين بيرد " ..(روايات احلام)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن