3-ملاك ، ونظرات شيطانية

3.2K 61 20
                                    

تملك روز الاضطراب وأخذت تحدق في وجهه وقد دار رأسها .
-شكرا .أنت ترقصين بشكل جيد .
قال هذا بتهذيب متكلف وقد نزلت يداه على كتفيها.
-شكرا لك.
تمتمت بذلك وقد التهب وجهها ارتباكاً . ماذا يحدث لها؟ هل بلغ بها الغباء حدا ظنت معه أن رجلا مثل خافيار ڤالدزبينو قد يعانقها في حلبة الرقص المزدحمة؟هل أخذت اجازة من علقها أم ماذا؟ أشاحت بوجهها وتراجعت خطوة الى الخلف :"شكرا لك".
كان هذا ما استطاعت التفكير فيه، فهذه هي الحقيقة عليها ان تكون حذرة فهذا الرجل يملك كل المؤهلات التي تجعل المرأة تشعر بمشاعر جارفة.
-تعالي . أظننا قمنا بواجبنا . الخطيبان بأحسن حال ويمكنهما رعاية بعضهما البعض.
أمسك بذراعها يقودها الى المخرج ثم صعدا السلالم الى البهو الهادئ نسبيا . سارت روز معه من دون ان تعترض بسبب اضطراب مشاعرها.
طلب خافيار كوبين من عصير الليمون ثم دعا روز الى الجلوس على أريكة ، قائلا :" كثرة الطعام والرقص من المحتمل ان تصيبنا بالاجهاد ".
ثم جلس بقربها على الأريكة. التفتت إليه مرغمة نفسها على مواجهة عينيه :" أنت محق في هذا".
أحست بالضيق بسبب شعورها بالحر كما ان شعرها اخذ ينفلت ليصبح خصلات مشوشة. بينما بدا خافيار منضبطا بشكل ملحوظ .
ثم أخذ يتأملها من تحت جفنيه الثقيلين :" طبيبة إنكليزية أصيلة ترقص كبنات اللاتين! ".
وابتسم وهو يرفع حاجبيه بذهول ساخر :" أخبريني بسرك . أين تعلمت رقص السالسا؟ ".

بدا سؤاله عاديا. فتمسكت روز بهذه الفرصة لتبدأ حديثا طبيعيا .آملة ان يخفف ذلك من التوتر الذي تملكها طوال الساعة الماضية وانبأتها ملامح خافيار المتغطرسة الشاردة أنه لا يعاني من هذه المحنة مثلها .
-في افريقيا.
أجابته بذلك بصدق ثم سكتت لحظة فجلعت الذكريات السعيدة عينيها الخضراوين تتألقان بذكريات الماضي الحافلة بالمرح .
-دومينيك ، وهو عالم آثار من الارجنتين جاء الى مستشفانا في الصومال . كان مسافرا بمفرده كما يبدو ، وترض للسلب. لكن الحظ حالفه فنجا بحياته . بدون نقود ولا ملابس بعين سوداء وجمجمة مشروخة . ولكن من الغريب انه استطاع ان يحتفظ بشريط موسيقى السالسا . راح يسمعنا ذلك الشريط في المسكن ليلا ونهارا. وعندما حان وقت رحيله بعد ذلك بثلاثة اشهر ، كنت قد تعلمت رقصة السالسا وكذلك التانغو والسامبا.
وابتسمت روز. لقد هدأ توترها بعد تناول كوب العصير وكان الليل قد شارف على نهايته تقريبا وكان خافيار قد طلب سيارة اجرة حين طلب الشراب. واصبح بإمكانها أن تكون ودودا وتتخلى عن حذرها .
لم يكن لديها فكرة عن الاغراء الذي يشعر به الرجل الذي يجلس معها فقد كان ينظر اليها بعينين سوداوين لامعتين وقد اطبق أسنانه بأحكام . كانت خصلات شعرها الأحمر تحيط بوجهها البيضاوي . وقد انزلقت فتحة عنق ثوبها الأخضر قليلا . وبدا جسمها مثيرا وهي تضع ساقيها الطولتين الواحدة فوق الاخرى ، لكن روز لم تكن واعية لذلك على الاطلاق .
- لقد عاد الى البرازيل . سمعت مؤخرا انه يزور جبال "الأنديز" ليبحث عن مقبرة مقدسة .
أضافت روز ذلك ولمحة من الحزن تظلل عينيها الخضراوين الرائعتين. كان دومينيك قد اغرم بها وحاول إغراءها في إحدى الليالي . وكادت غلطته تلك تفسد صداقة رائعة بينهما .
قال خافيار ساخرا :"يبدو ان المقبرة هي احسن مكان له ".
فسألته بدهشة :" لمَ تقول ذلك؟ إنه رجل لطيف رقيق ، لو انك عرفته لأحببته حتما".
بعد ان قالت هذا ادركت انه صحيح تماما . فدومينيك هو رجل من نوع خافيار لكنه لا يملك نزعة خافيار الى القسوة . وأدركت فجأة ان هذا هو السبب الذي جعلها تختاره كصديق مميز لها طوال العشر سنوات الماضية . فقد ذكرها بخافيار . وقد ادرك دومينيك حقيقة انها لم تكن مغرمة به فأنسحب من حياتها .
-إذا كان هذا رأيك...
قال هذا مبتسما بجفاء وهو يومئ إلى شخص ما خلفها ، ثم يقف :" يبدو ان سيارتنا وصلت".
ومّد يده إليها يساعدها على الوقوف . وقد بدا في هيئته ، في عينيه اللامعتين ، شيء منعها من مجادلته فوضعت يدها في يده . لم يكن مضطرا الى ان يرفعها لتقف بمثل هذا العنف ، كما أخذت تفكر بعد ان كادت تقع على وجهها عاثرة بكعب حذائها العالي هذا . لكنه ، بنظره استخفاف الى وجهها الجميل شدد قبضته على يدها ودفعها خلال ردهة الإستقبال ، ومن ثم الى الخارج حيث جوّ الليل البارد.
-لمَ هذه السرعة؟
لم تستطع ان تمنع نفسها من طرح هذا السؤال. سرت في ظهرها رجفة خفيفة ، ولم تعلم ما إذا كان ذلك بسبب برودة الليل أم بسبب يده الضخمة التي كانت تقبض على يدها.
ترك يدها قائلا ببرودة :" إصعدي الى السيارة . كان يوما مجهدا والليل لم يكن أفضل حالا . لقد نلت هذه المرة مافيه الكفاية ويسرني أن اعود الى الوطن غدا معك ومع جيمي وآن طبعا".
لماذا تشعر وكأن الجملة الأخيرة قد دست وكأنها فكرة متأخرة ؟ عبست وهي تصعد الى السيارة . جاء خافيار ڤالدزبينو الى يوركشاير ليقوم بواجب اسري وقد ادى دوره بسكل رقيق محنك ساحر . وهو الآن متلهف للعودة الى بلده فليس في هذا ما يقلقها . ستمضي أسبوعا في اسبانيا مع جيمي وآن ، ولا شك ان خافيار ڤالدزبينو سيكون مضيفا ممتازا . اما خوفها من أن يتذكر تلك الفتاة الغبية التي كان تعرف اليها منذ عشر سنوات ، فلا داعي له على الاطلاق .
بعد وصولهما الى البيت رفضت دعوة خافيار المختصرة الى فنجان القهوة الليلي ، وذهبت الى غرفتها مباشرة . كانت ما تزال مستيقظة تماما .
لا فائدة فهي ستبقى مستيقظة وبآهة مهزومة، فتحت عينيها وتركت ذاكرتها تعود الى الماضي . اذا هي واجهت شياطينها ، او بالاحرى شيطانها .... خافيار ، ربما تتمكن اخيرا من النوم .

حب .. وخط أحمر!  " جاكلين بيرد " ..(روايات احلام)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن