4-النصف الآخر

2.8K 73 19
                                    

وقفت مايلين وسط الغرفة الواسعة وهي تتسائل عما تفعله هنا. كانت الأرض من الخشب المصقول أما النافذة فقد امتدت على طول الجدار ، وقد بدا من خلفها مشهد ليلي مذهل لبرشلونة . نظرت حولها فرأت حولها أن الغرفة لا تحتوي إلا على قطع قليلة من الأثاث ، أريكتان ناصعتا البياض ومنضدة سوداء بالأضافة الى مدفاة رخامية انيقة ، وضعت على الرف الذي يعلوها صورة داخل اطار فضي . اقتربت منها ونظرت إلى الصورة . بدا خافيار فيها مشبكا بذراع رجل آخر وقد وقفت بينهما فتاة جميلة سوداء الشعر . كانو جميعاً يضحكون ، أما الفتاة فكانت تضع خاتما كبيرا في إصبعها .
قالت وقد وجدت موضوعا للحديث :" هل هما من اصدقائك؟"
فأجاب خافيار باسماً :" نعم، صديقان طيبان".
-بيتك جميل.
وزادتها ابتسامته توتراً.
-أتظنين ذلك؟
نظر في انحاء الغرفة من دون حماسة ، ثم عادت نظراته لتستقر على قوامها المتوتر. رأى نظراتها الحذرة فقال :" لا تخافي فأنا لا أنوي إيذائكِ".
ثم امسكها بذراعها وأدارها إليه :" أنا دعوتك إلى العشاء وهذا كل شيء ".
-هل يمكنك ان تطبخ؟
سألته بارتياب ، مستعيدة مظهر الحنكة الزائف الذي تعلمته من خلال عملها في عرض الأزياء ، وهي تحاول في الوقت نفسه ان تتجاهل قربه البالغ منها ، وتسارع دقات قلبها .
-طبعا ، فأنا رجل متعدد المواهب .
هز كتفيه وبسط يديه ما جعل تأثيره عليها يتضاعف.
-أنا اصدقك .
ونظرت الى قامته الطويلة وثارت مخيلتها وهي تتصور مواهبه الأخرى.
سألها وابتسامة راضية تلوي فمه الواسع :" ما رأيك في عجة إسبانية حقيقية مع السلطة".
-جميل جدا. شكراً .
فانفجر ضاحكاً :"انتِ لا تقدرين بثمن ، يا مايلين ".
ونظرت عيناه الباسمتان في عينيها ، ثم أمسك بذراعها وقادها الى المطبخ :" هيا بنا ، يمكنك ان تعدي السلطة".
أثناء ربع الساعة التالية ، أخذا يعملان معاً سعيدين . وحبست مايلين انفاسها فيما هما يتحركان معا في تلك المساحة الضيقة ، إلا انها لم تظهر ردة فعلها. ولكن فيما بعد ، فاجأها شعور الخزي وهي تجلس أمامه حول المائدة الصغيرة وطبق الطعام امامها ... لم يسبق لها قط أن كانت وحدها مع رجل في شقته، وصدمتها هذه الفكرة تماماً . انها مع رجل غريب في بلاد غريبة . لم تتصرف بهذا الطيش قط من قبل.

راحت عيناه السوداوان تتفحصان بكسل ثوب الحرير الناعم الذي يغطي جسمها . فشبكت ذراعيها على صدرها بخجل ، وقد شعرت بالصدمة لأن نظرة واحدة منه جعلتها تتأثر بهذا الشكل . مد خافيار يده عبر المائدة وامسك بيدها.
-لا يا مايلين ، لا تخجلي.
واحمر وجهها كعذراء من العهد الڤيكتوري. بينما ألقى خافيار رأسه الى الخلف وانفجر مقهقهاً :" يا للبرائة! أنا لا أصدق هذا . لكنك انت على صواب بالنسبة لهذا الثوب ، مايلين إنه لا يناسبك على الاطلاق. والآن انهي طعامك قبل ان يبرد ".
اكلت لقمتين ثم دفعت بقية الطعام بشوكتها بعيداً. لم تجرؤ على النظر إليه ، لأنها خشيت ان تحبس انفاسها اذا فعلت ذلك.
سألها باهتمام :" ماذا حدث يا مايلين؟ ألم تعجيك العجة؟"
رفعت رأسها بسرعة وحاولت ان تبتسم :" بل هي لذيذة ، ولكن يبدو أنني فقدت شهيتي"
-انتِ عارضة ازياء وأعرف أنك تودين الحفاظ على قوامك . لكنك أيضاً فتاة رائعة الجمال ومن الأجرام إفساد الجمال الكامل بالرغبة الحمقاء في تنحيف الجسم . والآن كلي!
قال هذا بحزم ، فعادت لمتابعة الطعام .
اراح افكارها عندما انطلق في الحديث عن حبه للسيارات ، وعرفت أنه يعمل في حلبة السباق . وسرعان ما راحا يثرثران كصديقين قديمين .
ونسيت ان اليوم عيد ميلادها . نسيت كل شيء ما عدا جاذبية هذا الرجل الساحقة ولكنها شعرت ان ما بينهما هو اكثر من مجرد جاذبية . تحدثا عن كل شيء ولا شيء ، واخبرها انه لم يجلس قط من قبل لمدة ساعتين على كرسي المطبخ الصلبة كما جلس الآن ، مقترحاً عليها ان ينتقلا الى غرفة الجلوس.
استرخت مايلين بجانبه على الأريكة المخملية في غرفة الجلوس ، وأخذا يشربان القهوة التي صنعها بيده. ألقت نظرة جانبية طويلة على جانب وجهه الوسيم ، وفجأة ظهر عليها الارتباك وتصاعد الاحمرار الى وجنتيها . لقد انتهى العشاء وكذلك القهوة تقريبا، وقد حان الوقت لتخرج ، أما خافيار فقد تصرف كرجل مهذب طيلة الوقت تماماً . بينما هي تعاني من اضطراب مشاعرها نحوه.
لم تعرف ما الذي جرى لها . لقد تعرفت الى عشرات الرجال الوسيمين اثناء حياتها العملية ، ولكن لم يتمكن اي منهم من التأثير فيها كما أثر فيها خافيار.

حب .. وخط أحمر!  " جاكلين بيرد " ..(روايات احلام)Where stories live. Discover now