9- حب .. وخط أحمر

2.3K 50 0
                                    

تركت ذراعيها تسقطان إلى جانبيها . ومع أنها حررت يديها، إلا أنها تعلم الآن أن جسدها لن يتحرر أبداً من عبوديته لخافيار . رفضت ان تدعو هذا حبا. بقيت مستلقية مدة طويلة تحدق في الظلام وهي تشعر بالخزي للسهولة التي استسلمت بها إليه.
- تبدين هادئة تماما ، روزالين؟
اخترق الصمت بينهما صوت خافيار الأجش. كان يستلقي على جنبه. وجسده الذي أخفى الظلام معالمه يميل نحوها وقد ظهر الرضى في عينيه ،
وهو يمرر إصبعه على شفتها السفلى: "أنت تثيرين دهشتي، فقد بدوتِ متشوقة للغاية، يبدو أنك لم تحصلي على علاقة جسدية منذ وقت طويل" .
هبطت روز من ذروة الأحاسيس التي تدير الرأس، إلى الحقيقة القاسية، فأخفت مشاعرها الممزقة وراء حنكة هادئة : "وماذا هناك لأقوله؟ انت عاشق عظيم، ولكن لا بد أن مئات من النساء أخبرنك بذلك، وعلى
كل حال فقد حصلت على كثير من التدريب ومن المؤسف أن ليس لديك نفس الحرارة في المحافظة على الوعد".
قالت هذا متهكمة فقال خافيار ببرودة :"أنت تدخلين أرضاً خطرة فأنا لم انسَ إساءتك ولم أصفح عن هروبك بعد أن تعاهدنا على البقاء معا".
محاولتها للتمسك بالحنكة تلاشت عندما ذكرها بما أثار آلامها: "أنا أيضاً لم أنسَ أو أصفح، كما لم انس ابتزازك لي هذه المرة للقبول بهذا الزواج
بعد أن وعدتني أنه لن يكون بيننا أي علاقة".

قالت له هذا بصوت كالفحيح وقد غص حلقها بمرارة، بسبب كل ما عانته على يده من قهر وإذلال: "أنت حقير كذاب وأ أنا أكرهك ".
- انا لم اعدكِ قط بزواج من دون علاقة جسدية بيننا. أنت سمعت فقط ما تريدين أن تسمعيه. أما بالنسبة إلى الكراهية، فأنا أعتبرها أشبه بالاعتراف الزائف بالحب. إذا كانت كراهيتك لي تجعلك تذوبين بين ذراعي فمن هو الكذاب بيننا إذاً؟

التمع شيء في عينيه جعلها ترتجف ودفعته على صدره بشدة، لكنه لم يفعل سوى أن أطلق ضحكة قاسية خشنة ، ثم ضمها إليه من جديد.
وأمسكت بشعره الذي اشتبك بأصابعها وحاولت أن تدفعه عنها.
-هل هي الكراهية التي تجعلك ترتمين بين ذراعي لدى أول لمسة؟
قال هذا ساخرا فيما هو يمرر يده بنعومة على كتفها. ثم رفع رأسه واخترقت عيناه المتألقتان عينيها بمشاعر محرقة.
بالرغم من جهودها لرفضه، لم تستطع أن تمنع رجفة البهجة التي فضحتها ، وعاد يعانقها ليغرقا من جديد في بحر من المشاعر المحمومة .
استيقظت عند الصباح مشتتة الذهن تماماً. كانت الغرفة لا تزال مظلمة، وذراعه الثقيلة مرمية على جسمها.
عادت الذكريات إليها ومعها شعور بالخزي لإدراكها سهولة وقوعها بين ذراعي خافيار.
تمطت، ثم حاولت أن تخرج من تحت ذراعيه اللتين كان يقيدها بهما .
تمتم خافيار بكلام غير مفهوم لكنه لم يستيقظ. تململ بعدم ارتياح ثم انقلب على ظهره، فتحررت منه ونزلت من السرير ، وإذا بها تجمد مكانها
السماعها قرع على الباب وصوتاً ينادي خافيار، ثم انفتح الباب مدخل دفقة من الضوء معه ، وسرعان ما ملأ الضوء الغرفة حين دخل فرانكو باسماً وهو يحمل صينية القهوة . عادت روز الى الاستلقاء في السرير  وسحبت الملاءة تغطي بها جسمها.
فتح خافيار عينيه وجلس في السرير :" اي جهنم؟".
رفعت روز بصرها لترى ظهره العريض شهقت: "آه يا إلهى! ".
كانت الندبة تمتد من تحت ذراعه نزولا الى جنبه، وقد غُطت آثاراها نصف مساحة ظهره، سألته مضطربة : "لماذا حدث لك؟".
لا يتطلب الأمر أن تكون طبيبة لتدرك أنه تعرض لحرق سيء جداً يوماً ما بدا واضحاً أن هناك محاولة لجراحة تجميلية، لكن الأث السيء المتبقي لا تخطئه العين. تفكيرها بالعذاب الذي سببه له هذا الحرق جعلها توشك على البكاء .انطلق صوت خافيار حاداً كلذع السوط : " أخرج فرانكو".
ولم ينتظر خروجه بل التفت إليها . بدت رائعة الجمال بغمامة من الشعر الأحمر الموشى بالذهب تحيط بوجهها على الوسادة، كما بدت عيناها
الخضراوان دافئتين مليئتين بالعطف على وجهه الوسيم. لكنه لم يكن يريد شفقتها، فهي متأخرة جداً: "ما الذي تتوقعينه من حادث سيارة؟ ندبة
صغيرة أنيقة؟ أنت طبيبة ومن المؤكد أن بإمكانك أن تميزي تأثير حروق البنزين".
قال هذا ساخراً، فجلست في السرير ومدّت يدها بسرعة إلى ظهره وراحت تتحسس الجلد المغضن بأصابعها الرقيقة : " لم أعرف قط ، أنا
آسفة".  قالت هذا بهدوء. وفجأة، إذا بأشياء صغيرة تصبح مفهومة؛ رفضه السباحة معهم في البحر في بيت المزرعة، ثم تذكرت أن ضوء القمر كان يملأ
الغرفة حين دخلت إلى النوم الليلة الماضية، ولا بد أن خافيار أسدل الستائر ليمنع أي ضوء قبل أن يلتحق بها إلى السرير ثم البيجاما!
اخترقت نظراته عينيها: "بل تعرفين تماماً".
ونفض عنه يدها ونزل من السرير وهو ينظر إليها بعنف: "لديك وجه ملاك وتكذيين كالشيطان".
تملك روز الذعر والاضطراب لقوله هذا، ليست هذه المرة الأولى التي ينعتها فيها بالكذابة، ولكن لماذا؟  هذا ما لم تكن تعرفه. حدقت إليه بصمت وقد اتسعت عيناها بعطف وحيرة. هل نشر خبر الحادث في الصحف فافترض انها عرفت به؟
ـ لا أريد شفقتك ولا أحتاجها.
قال هذا بخشونة وهو ينظر إلى ملامح عينيها : "جسدك هو كل ما أريده. وكما لاحظت الليلة الماضية، الأمر ينطبق عليك أيضاً، فلا تزعجي
نفسك بإنكار ذلك".
لم تصدق أن خافيار زوجها المتغطرس، يعاني من ضعف ما في شخصيته. لقد تعمّد أن يخفي جسده عنها ، تذكرت حرصه على الأ تلمس يداها ظهره. ما الذي حدث؟ وهل بلغت القسوة بإحداهن حداً جعلها
ترفضه بسبب آثار حروقه هذه؟ أتراها زوجته الراحلة؟ لم تعرف ، روز، لكن قلبها كاد يتمزق لأجله. شعرت برغبة بخنق تلك المرأة القاسية، عديمة
الإحساس. وفي هذه اللحظة بالذات أدركت أنها تحبه. .. وربما أحبته دوماً!  اشتدت يداها على الملاءة . ستحبه من دون أمل إلى آخر حياتها. ، وربما إلى الأبد. خنقتها المشاعر فابتلعت ريقها بصعوبة وأسدلت أهدابها لتخفي مشاعرها عنه: "لم أكن سأنكر ذلك،" .
فالتوت شفتاه بسخرية: "ربما لا ترغبين بأن تنظري إليّ، ولكن هذا غير مهم. تعرفين المثل القائل: (كل القطط رمادية اللون في الليل)".
تملكها الذعر لقوله هذا، فقفزت من السرير ووقفت على بعد تقدم منه :
- قولك هذا فظيع. أنا...
وعضت شفتها بقوة والفزع يتملكها لأنها أوشكت أن تعترف له بحبها... فاستدارت على عقبيها وهربت إلى الحمام، بعد أن اغتسلت شعرت بأنها أكثر سيطرة على مشاعرها . فتحت خزانتها وأخرجت ثوباً قطنياً
أخضر، ارتدته في دقيقة، وسوت تنورتها على وركيها.
سارت إلى صينية القهوة التي أحضرها فرانكو وسكبت لنفسها كوباً، ثم سارت إلى النافذة وأبعدت الستائر . إنه يوم مشمس آخر!
كانت أفكارها مشغولة بكل شيء ما عدا النهار المشمس. رشفت القهوة ثم عبست اشمئزازا وهي تشعر ببرودتها، لكنها كانت بحاجة إلى إنعاش الكافيين لها لتعيد تنظيم دماغها المرتبك. انتهت القهوة ثم استدارت عليها أن تخرج من هذا المكان لكنها توقفت في منتصف الغرفة ورفعت رأسها بحدة عندما خرج خافيار من الحمام.
ابتلعت روز ريقها: " يكفي أنك غزوت غرفتي، ولكن بإمكانك على الأقل أن تستعمل حمام غرفتك" .
قالت هذا بحدة وإذا بها تلاحظ للملابس التي كان يحملها. ونظر إليها مقطباً: "إنها غرفتنامعاً".
وألقى بالملابس على السرير المشعث.
- لحظة واحدة. لقد قلت من قبل إنها غرفتى.
بعد وقوفها تحت مياه الدوش، تمكنت من إجلاء تفكيرها. اعترفت لنفسها بأسى بأنه مهما بلغ حبها لخافيار فهو لن يجعل زواجهما أفضل .
ذلك أن خافيار ما زال مراوغا أنه لا زال يتردد صديقته تلك ذلك لم يمنعه من القدوم إلى سريرها هي. هذا إلى أنه منذ عشر سنوات تزوج خطيبته، وهذا يثبت بأنه خدعها، وروز ليست غبية إنها تحبه لكنها لن ترضى بأن تكون ممسحة أرجل ، فهي تتحلى بالكبرياء وتستحق أفضل من ذلك.
كان يتناول بنطلوناً ليلبسه عندما توقف قائلاً لها بتهكم : "هذه الغرفة الذهبية هي الغرفة الرئيسية هنا يا روزالين".
وسكت ليلقي بالمنشفة ليلبس البنطلون الكاكي اللون.
- ولكن عندما إلى هنا جئت في المرة الأولى أخبرتني أنها غرفة الضيوف.
والتهبت عيناها غضباً، وهما تعكسان غليانها الداخلي.

حب .. وخط أحمر!  " جاكلين بيرد " ..(روايات احلام)Where stories live. Discover now