١-مِلعقة من السُكر.

4.2K 292 388
                                    

ثُقُل رأسِهُ مُسندٌ على ذِراعيهِ النحيلة, الجُزءُ السُفلي مِنهُما اعتلاهُ شعورٌ رطبٌ مِن البرودة بسببِ بلاطِ طاولةِ المَطبَخِ رتيبةِ اللون, أخِذاً يتأمَلُ سُحُبَ البُخارِ المُتطايرة مِن فوهَةِ الغلاية الكهربائِية, بدَت كتنينٍ أسطوريٍ ينفُثُ لهيبَهُ في مَملكةٍ بعيدة.

حينما ارتفَعَ طرفُ مِقبَسِ التشغيلِ مُؤكِدًا وصولَ المياهِ التي حمَلَتها الآلة داخِلَ جَوفِهِا أعلى درجاتِ الغَليانِ, انتشلَها بيمِينِهِ, وأفرَغَ ما فيها داخِل كوبِهِ الورقي مُغرِقًا ظَرفَ الشاي الذي وقَفَ خائِرًا مِن اتخاذِ خيارٍ عِندَ القاع, أضافَ مِلئَ مِلعقةَ شايٍ واحِدة مِن السُكَرِ, حرَكَ برُويةٍ بينما قطعَت المِلعقة سبيلاً وعِرًا في قِطرِ الكوبِ الضيقِ مُتعثِرةً بكُتلةِ كيسِ الشايِ العائِم, ثم رمى المِلعقةَ في حوضِ الغسيلِ لتُصدِرَ رنينً غيرَ لطيفٍ على الأذانِ.

خرَجَ بيدٍ تحتوي مشروبَهُ مِن الطرَفِ العُلويِ مُتجنِبًا حرقَ باطِنِ يدِهِ, أراحَ ما حمَلَ على منضدةٍ كانَت الأقرَبَ لعلاقةِ الملابِسِ, ارتدى مِعطَفَهُ بلونٍ كاتمٍ مِن الأسودِ ونسيجٍ خشنٍ, لم يُغلِق على أزرارِهِ الكبيرة الخشبية وقَد طالَ حتى لامَسَ رُكبتيهِ.

"أنا خارِجٌ لبعضِ الوقتِ."
ارتَفَعَ بصوتِهِ عَميقَ الثخونَةِ مُعلِنًا, لَم يقابِلهُ رَدٌ ما رغمَ تأكُدِهِ مِن سَماعِ أمِهِ التي اتخَذَت مِن غُرفَةِ الجُلوسِ مكانًا, لَم يأبَهُ فهو أكيدٌ مِن معرِفَتِها لسبَبِ فعلَتِه.

أدارَ مِقبَضِ البابِ الذهبي الصدئِ عِند الأطرافِ, و سارَعَ الهواءُ بلفحِ وجهِهِ دافِعًا أطرافَ مِعطَفِهِ إلى الخَلفِ وكأنهُ يَحذِرُهُ مِن المِضي قُدمًا والتجَرُؤ على وضعِ قَدَمِهِ خارِجَ حُدودِ المنزِل, أكمَلَ ما يفعَلُ دونَ فُرصةٍ لإعادَةِ التفكير, أعاد احتِضانَ الكوبِ بأطرافِ أصابِعِهِ, وخرَجَ مُحكِمًا إغلاقَ البابِ مِن ورائِه.

سارَ إلى ظِل السَماءِ رماديةِ الكَسوة, بخطواتٍ غَير عجِلة ابتعَدَ عَن مَنزِلِهِ, كانَ الحي جَديدًا تمامًا عليهِ إذِ انتَقَل مِنذُ بِضعَةِ أيامٍ, مكانٌ مجهولٌ بالكامِلِ في ذاكِرَتِهِ, لكِن لَم يَرغَب في خوضِ المُغامَرة الواعِدة باستِكشافِه, سيؤجِلُ هذا إلى وقتٍ لاحِق, فكُلُ ما أثارَ اهتمامَهُ راهِنًا هو إيجادُ مكانٍ بعيدٍ عَن أنظارِ نوافِذِ مَنزِلِه ليجترِعَ شايَهُ دونَ أحكامٍ من أيٍ كان.

سارَ حتى نِهايةَ الشارِعِ وأخذَ مُنعَطَفًا للِيسار, خطوة تلحَقُها أختُها, أخذَتهُ قدماهُ بعيدًا عَن مسكَنِهِ ولا تزالُ شفتاهُ لَم تَقتَرِب مِن مشروبِه مُتجرِعة, لَن تفعَلَ قَبلَ أن تسبِقَ صديقَتُها القابِعة في جيبِ بِنطالِه.

Tea talks || أحاديثُ الشايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن