عنصر الزمان

962 102 65
                                    

يتشكل الزمن في كل موقف وفي كل لحظة؛ فهو الإطار الحافظ للعناصر الأخرى من أن تزول وتندثر، فلا شيء يعدوه ولا يحلُّ دونه، وهو من الوحدات الأساسية الأولى في البناء الروائي، كما أنه الأداة مع الطاعة لدى المؤلف والصعبة في آن واحد، تُضفي على عمله الأدبي أشكالًا متنوعة من الفهم والتأويل.

«لذا عندما نجد قصة معينة تفتقر للزمن، علينا التوقف عن قراءتها وتوجيه صاحبها نحو فريقنا لنحل معه هذه المسألة حتى يعود خط سير الزمن الى قصته فيكتمل فنّها.»

إن الرواية المفعمة بالزمن تتنوع بين الماضي والحاضر، وستقف على مَواطن متعددة من الذات الإنسانية، وخطاب الروح والوجدان، وستعبر عن الذكريات التي قد تكون أليمة، حيث يطرح المؤلف أفعاله ومشاعره ويعرضها للقارئ ليتحمل معه عبء هذه الذكريات ويتداخل معها.

كما ويصور الترتيب الزمني الواقع وصراعاته السياسية والاجتماعية والفكرية.

واختار العرب أيضًا الظروف والقرائن المتعددة للتعبير عن الزمن، كأمس، اليوم، الغد، الليلة، البارحة، الساعة، التو، الحين، وغيرها، خاصةً وأن الاستعمال الاجتماعي للغة يفرض عليها التنوع واللا حصر، وهذه هي الوظيفة الأساسية للغة، إذ يعبر بها عن أغراض متنوعة، وتتيح للإنسان إيصال تجربته الشخصية الى نظائره، ويشمل مفهوم "التجربة" كل ما يشعر به الإنسان أو يلاحظه، سواء أخذت هذه الصيغة يقينًا، أم شكًا، أم رغبةً أم حاجةً.

لذلك يمكن تقسيم الزمان إلى نوعين:
-زمان عام، وزمان خاص.

الزمان العام: ويعني زمن الأحداث بصورة عامةٍ.
الزمان الخاص: ويعني زمن  الحدث نفسه.

فالزمان يكون فلكيًا (الصباح، المساء، الساعة)، أو مداريًا (شتاء، صيف)، أو حديثًا (زمن الاحتلال، عام النكبة، يوم النكسة، عام الفيل).

وعلى الكاتب أن يعرف دلالات كل فترةٍ، فالصباح ليس كوقت الظهيرة والأخير ليس كوقت المساء.

وكما يحب الكاتب الاعتناء بمظهره، عليه الاعتناء بمظهر الزمان في عمله الأدبي؛ ولهذا الأمر خيارين له حرية اختيار أحدهما:
إما أن يشير الى حدث معين بساعة معينة مثلًا:
«دخل خالد وصديقه الى المقبرة في الساعة الواحدة ليلًا.»
أو يشير الى الحدث بطريقة غير مباشرة:
«كان الهدوء يعم المكان وخالد ما زال مصممًا على الذهاب للمقبرة هو وصديقه، ومع غياب القمر خلف السحب الظلماء وسماع عجلة سيارة من بعيد زادت الرهبة في قلبيهما.»

وهنا لم يتم ذكر أن الحدث يجري في الليل، وإنما تمت الإشارة إليه من خلال الهدوء، وغياب القمر، وصوت السيارة من بعيد، وكلها مظاهر تدل على وقت متأخر من الليل.

ويمكننا القول أن هناك معالم ومظاهر لعنصر الزمان يمكننا الاستعانة بها للحصول على إطار زماني متكامل يضفى على أحداث العمل الأدبي، صفة الكمال التي نطمح لها.

عندما تجري الأحداث في زمن معين يمكنك أن تكتب عن مظاهر عمران ذلك الزمن ويتمثل بشكل المباني، وشكل التصميم، فالتصميم الياباني في الزمن القديم مثلًا يختلف عن تصميم الزمن الحديث، فالقديم مبني من الخشب أما الحديث فهي شقق وبيوت متقاربة تمتاز بالطول العمودي، ويجب عليك معرفة نمط تفكير الناس ووسائل اتصالهم في ذلك العصر ونوع الأطعمة التي كانوا يتناولونها، وتسأل عن وضع المرأة في العصر الذي تم اختياره، عليك البحث إن كان هناك مجاعات، طاعون، فيضانات.

أما الملابس فهي تختلف،  فلكل زمن عاداته وتقاليده وأزيائه والموضات الخاصة به، فكل عصر له ما يميزه، فمثلًا نجد قديمًا أن الفساتين القصيرة هي الشائعة في فترة الخمسينات إلى السبعينات والثمانينات، ولكن اختلفت الأذواق في الوقت الحاضر، فقد أصبحت النساء يفضلن ارتداء البناطيل الچينز وخاصة الاسكيني والمقطع مع البلوزة أو الشُميز، رغم أن بناطيل الچينز عُرفت منذ القدم إلا أنها أصبحت في حالة تطور مستمر بالإضافة إلى إعادة ظهور فساتين الستينات والسبعينات في هذه الأيام لتصبح موضة مرة أخرى.

وعليك البحث عن كلٍ من الثقافة والعادات والتقاليد وهي خاصة بالزمن الذي ستكتب عنه وهو يتغير من حين لآخر، وكمثال بسيط أنه من عادات وتقاليد العرب شُرب القهوة وحُسن الضيافة، فالشعوب العربية معروفة بالكرم وحُسن الضيافة، ومن عادات شرب القهوة في بعض الدول العربية وخاصة منطقة الشرق الأوسط استمرار المُضيف بصب القهوة بفلجان الضيف كلما انتهى من شرب الفنجان الذي أمامه، إلى أن يقوم الضيف بهز الفلجان كنايةً عن شكره للـمُضيف وشعوره بالامتلاء وعدم الرغبة في شرب المزيد.

كما يجب ملاحظة فارق الزمن عند الشخصيات. فالشخصية المريضة تشعر أن الوقت يمر ببطء بعكس الشخصية التي تتمتع بصحتها وقوتها.

وتختلف رؤية الزمن بين المسافر الذي تضطرب نفسه شوقًا إلى لقاء الأحبة راغبًا في الوصول بسرعة؛ فهو يشعر أن الدقيقة تمر عليه  كالساعة؛  لذلك يغرق بمخيلته بزمنٍ آخر وهو لحظة تفكيره  بلقاء المحبوب فتبعده مخيلته عن زمنه الحقيقي الذي يعيشه، وبذلك ينقضي الوقت بسرعة، بعكس من تضطرب نفسه كرهًا عندما يضطر أن يلتقي بمن يبغضهم فالوقت سيكون ثقيلًا لا يمر بسرعة، فيتمنى حين ذلك لو يتوقف الزمن ولم يلتقِ بهم أبدًا.

ويمكن أن نقيس الزمن بالماضي "القَبل" والمستقبل "البَعد" عند تحديد النقطة الزمنية لمحور الزمان العام، وهذا يساعد في معرفة الرجوع أو الإستباق ومعرفة كيفية حساب اللحظة الحالية وفق ما تمليه المدة الزمنية.

وفي العمل الأدبي يكون البطل هو الشخصية الأساسية التي تكون محط اهتمام العمل، ولهذا يعتني المؤلف بها بشكل كبير فيصف شخصيته وفق ما يمليه زمنها الذاتي وزمن وجودها في الحكاية.

ونحب أن نشاركك مشاعر شخصيتك ونتحدث بلسان حالها  بهذا الإقتباس الرائع: "وكأن حولي عوالم عديدة لكنني لا أنتمي الى إحداها."

اجعل الشخصية تعيش اللحظة، لتحب العيش داخل عالمك الذي صنعته من أجلها.

وفي نهاية الفصل علينا أن نعرف أفكارك حول هذا الموضوع؛ لذلك شاركنا رأيك وبيّن لنا مقدار معرفتك لأننا نهتم بأصحاب المعرفة!

-هل يمكنك إخبارنا بأخطاء أخرى تظلم عنصر الزمان في العمل الأدبي؟

-ما رأيك، هل الزمان حقًا مهم في الرواية؟

-هل يمكنك تخيل قصة دون زمن؟ كيف ستكون يا ترى؟

الفصل من كتابة سيدة الفضاء المسافرة عبر العصور سيمادرا نازان .

معالمٌ منسية |عنصري الزمكان|Where stories live. Discover now