مآلف

140 17 5
                                    

يقولون إنه عالم صغير، ولكن إلى أي حدٍ هو صغير فعلًا؟ ماذا نعلم حقاً عن ثقافات الشعوب المختلفة وعاداتها الغريبة؟ تختلف ثقافات الشعوب حول العالم بشكل كبير، حتى أن بعض العادات التي يشعر الناس في بعض دول العالم أنها عادية، قد تبدو للبعض الآخر غاية في الغرابة بما لا يقاس.

إن مفهوم مُصطلحي العادات والتقاليد يُعد من المفاهيم المُعقّدة التي يصعب تحديدها بشكلٍ عام؛ بسبب اتصالها بمفهوم أكثر شمولًا وهو الثقافة، إذ تمثل العادات والتقاليد جزءًا من الثقافة المجتمعيّة، وترتبط غالباً مع حالة زمنية قديمة، وخارجة عن مجال التدوين المكتوب، حتى تصير جُزءًا من تشكيل مادي يؤدي إلى ظهور إشكالية عدم الوصول إلى مفهومٍ واحد للعادات والتقاليد.

تُعدّ العادات والتقاليد جزءًا مهمًا في مجتمع كلّ دولة في أنحاء العالم، ومع اختلاف الجنسيات، والاهتمامات، والأديان بين البشر، إلا أنه توجد عادات وتقاليد خاصّة بكل عائلة، وقبيلة، ودولة، وثقافة، وعصر؛ فجميع الأفراد داخل مجتمعٍ معين يلتزمون بعاداته وتقاليده ولا يفرّطون فيها، ويعتبرونها قوانين لا يمكن تجاوزها، وفي بعض الأحيان قد يُعاقَب الفرد إذا تجاوز العادات والتقاليد والأعراف للبيئة المحيطة به؛ بسبب ارتباطها بالمعتقدات، والتربية، والسلوكيات عند الأفراد بشكلٍ عام، وربما ترتبط بشكلٍ مباشر مع الدين، فتشمل العادات والتقاليد أحياناً العديد من الأمور الدينية كطقوس العبادة. كما تتضمن العادات والتقاليد آلية التعامل في المناسبات العامة، وطبيعة التواصل والتعامل بين الرجال والنساء، وطريقة الكلام، والأكلات، وطريقة الملبس، وأمور تتعلق بالزواج، والكثير من الأشياء الأخرى.

إذًا، كيف يؤثر كل ذلك في العمل الأدبي؟
غير أن هذا يُضفي لمسة من الواقعية داخل الجو العام للرواية أو القصة، فإنه يعطينا لمحة عن معلومات الكاتب، وأن لديه معلومات كافية صحيحة تسير على أساسها قصته؛ كي نثق بما يكتب، فمثلًا لو كانت قصتك في إسبانيا، وكان بطلك عاملًا في واحدة من الوظائف، فإنه سيكون من الغريب أن يعمل هذا البطل طوال فترة الدوام بدون أخذ استراحة لمدة ساعتين في منتصف النهار، حيث أن هناك عادة شائعة في إسبانيا تُعرف باستراحة الظهيرة، وتكون هذه الاستراحة لما يقارب الساعتين يفعل فيها الموظف ما يشاء، حتى النوم. فكرة استراحة الظهيرة هذه قد تكون مألوفة جدًا، بل وطبيعية في إسبانيا، لكنها في الكثير من البلدان الأخرى من الأشياء الغريبة وغير المألوفة للناس الآخرين.

وقد ترتبط العادات بالدين، فمثلًا لو كان بطلنا في بلاد إسلامية، فعليه أن يعلم أن عادة المسلمين أن يصوموا في الشهر التاسع من السنة القمرية، وأمر الصيام هذا مرتبط بشكل مباشر بالدين الإسلامي، إذًا سيكون من الغريب وجود شخص غير صائم في ذاك الشهر من العام.

وغير هذا، فقد تنفرد كل عائلة بعاداتها الخاصة المميزة، فمثلا هناك عادة لبعض العائلات كالاجتماع في يومٍ محدد في الأسبوع، أو ثاني أيام العيد، أو صيام الاثنين والخميس، وهكذا نجد أنه لكل شريحة من الناس عاداتهم الخاصة، التي قد تميزهم عن الآخرين.

لو ركّزنا قليلًا لوجدنا أسباب تلك الأفعال اعتيادية لدى تلك الشعوب، فمثلًا إسبانيا تضع إجازة الظهرية تلك للتغلب على الحر الشديد للبلاد، المسلمون يصومون رمضان لأنه واحد من أركان الإسلام، تعمد بعض العائلات على الاجتماعات في أيام محددة بغرض الإبقاء على صلات قراباتهم قويّة، وهكذا، ولو ركّزنا قليلًا فقط لوجدنا أن تلك العادات اعتيادية، بل وربما منطقية في بعض الأحيان، حتى لو كانت عادة الفراعنة بالتضحية بواحدة من حسناوات المدينة للنيل؛ فوقتها كان الفكر السائد هو أن فيضان النيل هو غضب الآلهة، ولتجنب هذا الغصب كانت التضحية.
لذا تذكر أنك إذا نظرت للمعنى المقصود خلف هذه العادات الغريبة، قد تبدو لك على شيء من المنطق رغم غرابتها الشديدة.

غير هذا، بالنظر لتلك العادات التي يؤدي كسرها لعقوبات، إما فرديّة أو جماعية، فقد نجد أن لها علاقة -مباشرة أو غير مباشرة- بالدين، فمثًلا، لو عدنا لنفس مثال النيل، هو في الواقع طقس وعادة دينية، أكثر من أي شيء آخر، فغرض التضحية قبل كل شيء هو من أجل إرضاء آلهة، وعدم أداء هذه التضحية يؤدي لعقوبة جماعية في نظر المصريين القدماء.

هناك أيضًا بعض العادات التي تتميز بها بعض الشعوب عن غيرها، خصوصًا تلك الشعوب المنزوية على نفسها، القرى والجماعات الصغيرة، تكون تلك العادات بمثابة شِيفرة لها وهويّة، لا يمكنها أن تتخلى عنها، لأنها هويتها وممثلها.

لذا من هنا يمكننا أن نستنتج أن عادات الشعوب وتقاليدهم هي الدليل عليهم وعلى وجودهم، كما وأنه طالما أن هناك عادة، فعلى الجميع أن يعلم بأمرها، وعلى الجميع أن يعمل بها، أو يخاف كسرها على الأقل، أو يتمنى كسرها لكنه لا يستطيع، لكن عامّة عليه أن يعلم بها من الأساس، لأنه سيكون من الغباء ألا يعرف الساكن الأصلي للقارة الأمريكية مثلًا لماذا يرقص حول النار، أو لماذا عليه تزيين رأسه بالريش الملون!

وأخيرًا يمكن أن يتعرّض أي فردٍ لمقابلة أفراد يختلفون عنه في ثقافاتهم، كما قد يتعرّض لخبرات جديدة مع أولئك الأفراد، لِذا من المهم فهم الاختلافات الثقافية؛ لأن ذلك يساعد على التأقلم في كافة المجتمعات والخبرات الجديدة في العالم.

سيريوس بلاك.

معالمٌ منسية |عنصري الزمكان|Where stories live. Discover now