كبسولة الزمكان وتأثيرهما على الشخصية

360 37 55
                                    

أمامك كبسولتان، حمراء وزرقاء، الزرقاء تأخذك إلى زمكان خيالي، الحمراء تأخذك لزمكان واقعي، لكن، كن متيقنا أنك لن تكون أنت إذا ما أخذت أي واحدة منهما؛ فأيهما تختار؟

كيف تتكون شخصياتنا؟

ربما خطر في بالك أن توجهني إلى كتاب نفخة روح كي أتحدث عن الشخصيات وليس هذا الكتاب الذي يتحدث عن الزمكان، لكن أمهلني دقيقة كي أتمكن من الربط.

لطالما ذكرنا أنه لبناء شخصية متكاملة علينا الاهتمام بأبعادها الثلاثة، التكويني-بشقيه الخَلقي والخُلقي- البعد النفسي، والاجتماعي، لكن كي أبني هذه الأبعاد إلامَ أنظر حينها؟ هنا يصعد عنصر الزمكان ليحتل المنصة ونقول أنه ركيزة أساسية للتأثير في الشخصيات التي ستؤثر بدورها في الحدث لاحقا، والحدث عندما يصير مجموعة أحداث يكون حبكة، والحبكة تعني أننا حصلنا على قصة ببداية ونهاية، إنه لتسلسل تراكمي! لنأخذ مثالا صغيرا، تقول المغنية ايروكا في أغنية الأصدقاء:
أصدقاء أصدقاء في وجه الزمان
أصدقاء
حتى لو كبرنا وغيرنا الزمان وغير ملامحنا
حتى لو قليلا قد طالت قاماتنا

بالتأكيد قد لاحظتم في كلمات الأغنية كيف أن الزمان يؤثر في البعد التكويني أو الشكلي في شخصية المرء، وهذا التغيير ينتج عن تتابع السنين، فكلما تقدمنا في السن تتغير ملامحنا وتظهر التجاعيد في أجسادنا، كذلك يصنع المكان نفس التأثير باختلافه، لنأخذ مثالا أشمل كي يوضح لنا كيف يؤثر الزمكان في جميع أبعاد الشخصية.

الشخصية التي تعيش في منطقة صحراوية تختلف عن تلك التي تعيش في منطقة ثلجية، والتي تعيش في منطقة ريفية تختلف عن تلك التي تعيش في الحضر. وأهل الصحراء أنفسهم قديما يختلفون عما هم عليه اليوم أليس كذلك؟ البدوي الذي يمتطي الناقة ويرتحل بحثا عن الكلأ والمأوى، والذي لا يفكر إلا في حماية ذويه من وحوش الصحراء؛ يختلف عن الشاب الذي يخوض مغامرات صحراوية بدراجته مع رفاقه، كلامهما عاشا في نفس المكان لكن زمانين مختلفين فاختلف تفكيرهما وبذلك اختلفت شخصيتاهما. الفايكنج ذوي العضلات المفتولة يختلفون عن سكان النرويج الحاليين، وكلاهما يختلفان عن البدوي والشاب الجسور في الصحراء.

المثلي في العهد الإغريقي والعباسي يختلف عن المثلي في القرن العشرين، إذ القديم كان يتمتع بحرية أكبر تجاه ميوله، أما الذي في القرن العشرين فشخصيته استترت وراء سخط المجتمع، وهذا سببه اختلاف الزمان وتبدل تفكير الناس، أما المثلي في القرن الواحد والعشرين تختلف شخصيته من دولة غربية تعترف بميوله مقارنة بدولة شرقية لا تفعل ذلك، فينتج اختلاف شخصيات باختلاف المكان.

لهذا عندما نكتب قصة في زمكان معين علينا أن نراعي كيف يؤثر في سلوك الناس، عاداتهم، طريقة حديثهم، تفكيرهم، ملابسهم، ما يحبون ويكرهون، فالآباء مثلا يحبون الأغاني الكلاسيكية فيما يحب المراهقون أغاني البوب، وهذا تأثير الزمكان عليهم. نحن لا يمكننا أن نجعل شخصية في عهد الإمبراطورية الصينية العظمى قديما تخاف من انتشار ڤيروس كورونا لأن أول ظهور له في سنة ١٩٥٠، وعلى أي حال فإن الضجة الكبرى حوله امتاز بها زماننا، ولا يمكننا أن نجعل فتاة في عهد قديم ترفض الزواج بحجة صغر سنها، ولا يمكننا استخدام مصطلح بيدوفيليا على لسان فلاح أفريقي، ثم لا يمكننا ولا يمكننا وستطول قائمة لا يمكننا.

معالمٌ منسية |عنصري الزمكان|Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz