الزمن المجرد

117 15 36
                                    

تخيّلوا أن نرى روبوتًا متحركًا يعيش في العصور الوسطى، ومحاربًا رومانيًا يتمشى على حصانه وسط الشارع في حاضرنا؟ ماذا عن رؤية الصواريخ والقذائف في الحروب الصليبية، والقتال بالسيوف والمجانيق في عام ٢٥٠٠م؟ لربما تغيرت ملامحكم تعجبًا لمجرد تخيل الأمر!

هل تمكّنتم من معرفة موضوع الفصل؟ إنه الزمن المجرد، أو كما قد ينعته آلبرت آينشتاين الزمن النسبي، وهو نظرية تؤمن أن الوقت ذاته لا ينطبقُ على جميع الكواكب والمجرات، أي أنّ زمن الأرض مختلفٌ عن أزمان الكواكب والمجرات الباقية وهكذا، وبالرجوع لموضوعنا واستنادًا لتفسير آينشتاين فالزمان -والمكان أيضًا- لا ينطبقان على جميع الروايات وتصنيفاتها، إذ أنّ بعض الأحداث تعوز لمكانٍ معينٍ ولربما لزمنٍ معينٍ أيضًا.

دعوني الآن أقرّب لكم الصورة أكثر، سأعرض لكم فيلمًا قصيرًا بآلة تصوير قديمة، وها قد بدأ العد التنازلي وظهر لنا بعدها مشهدٌ لزوجينِ اثنين يتمشّيان مع بعضهما في سعادة كبيرة، ملابسُهما كانت رسميةً وباهظة، بنطال عالي الخصر وقميصٌ أبيض فوقه سترةٌ طويلة تصل حدّ الساقين، كانا يرتديان الأحذية ذات الكعب، ويحملان في أيديهما عصيانًا خشبية.
الأجواء من حولهما جميلة للغاية، الأبنية القوطية والطراز القديم ساعدانا على التنبؤ بالزمان، إنّه العصر الڤيكتوري المحبب والراقي.
استمرّ الزوجان السعيدان يتمشّيان ويلقيان التحية على المارة الذين كانوا يبادلونهما تلك التحية مع ابتسامةٍ واسعة، وإن أمعنّا النظر جيدًا للاحظنا أنهما رجلين اثنين، وعلى حين غرةٍ انحنى أحدهما وقبّل خد الآخر...

‏«اقطع!‏» صاح شخصٌ من خلفِ الكواليس، وتقدّم أكثر وهو غاضب وقد تقافزت علامات التعجب والاستفهام فوق رأسه.

‏«ما الذي تفعلونه؟ ما هذا المشهد الخالي من المنطقية؟ أين المخرج؟ من الشخص الذي كتب سيناريو كهذا بحق الرب؟»

وتجنبًا لذكر الألفاظ التي استخدمها ذلك الشخص بعدذَاك، قررت أن أوقف آلة التصوير عند هذا الحد.

في الواقع أنا يا رفاق أتفق مع ذلك الرجل، وسأخبركم لماذا، لأنّ المنطقية غادرت السيناريو والحدث منذ بدايتِه وللأسف، فلا يمكننا أن نكتب عن المثليين قديمًا كمثليي اليوم؛ أنّ المثلية قديمًا كان تُلاقى بالنبذ وتعاقب بالشنق، أيُعقل أن الزوجين السابقين كانا يمشيان سويًا إلى المشنقة؟ يبدو غريبًا أن تمشي إلى حتفك بسعادة!

هل بدأتم بتكوين الفكرة؟ وللحرص على إكتمالها سأعرض لكم مشهدًا آخرًا، العد التنازلي مجددًا وظهر لنا رجلٌ يرتدي ملابسًا بدت كالكيمونو (اللباس الياباني التقليدي)، وكان ذلك الرجلُ يمتطي حصانًا وبيده لا سلكيّ بينما يردد: ‏«نداء إلى القاعدة، أنا على الكوكب سين خمسة، حوّل!»، وعلى حين غرة شعرنا بالرجلِ يسقط أرضًا بسبب شخصٍ ما كان قد رمى على رأسه قارورة ماء، فهرع إليه طاقم العمل وانبثق ذلك الرجل مجددًا من الجموع وهو يصرخ: ‏«سأغتالكم بيدي!».

معالمٌ منسية |عنصري الزمكان|Where stories live. Discover now