إعادة ترتيب زمن القصة

148 17 37
                                    

تخيل معي طفلًا صغيرًا يقف في إحدى الحدائق المليئة بالألعاب، ويدي والديه الدافئة تمسك به، ويخيل له آنذاك أن هذه أرض الأحلام، وأنها أجمل شيء قد يراه في حياته، يتخيل الزهور المتمايلة هي رفاقه، ويظل يلعب ويلعب.

على بُعد خطوات، كان يقف شاب بالغ لا يهتم بالألعاب، وقد مر بالحديقة كأنها شيء عادي وغادر بعد دقائق.

ما المختلف بين البالغ والصغير؟

ردات الفعل، المبالغة، النظر للأشياء ونموها داخله، وهذا ينقلنا لسؤالنا في هذه النقطة:

ما علاقة أنواع الزمان ببعضها البعض؟ وهل يؤثر توقيت الزمن على العناصر؟

تحدثنا كثيرًا عن هذا العنصر ووضحنا طريقة عمله على المكان والشخصيات، فالماضي لا يشبه الحاضر، والحاضر لا يشبه المستقبل، لكنهما بطريقة ما مرتبطين مع بعضهما البعض، ويؤثر أحدهما على الآخر.

الإنسان على سبيل المثال، يستخدم ذاكرته كوسيلة لتذكر الماضي حيث كان كل شيء مختلفًا بسبب الزمن، وقد يتوقع أيضًا حدوث شيءٍ معين فيقفز بنفسه إلى المستقبل، وعندما يسرح في خياله يتدخل أحدهم ليجعله ينتبه إلى واقعه الذي يمثل الحاضر؛ فالإنسان في النهاية يعيش في الحاضر، وصنعه الماضي، ويشغل عقله المستقبل.

فيكون مَرد أقسام الزمان الثلاثة إلى أحوال النفس التي هي:

الذاكرة(الماضي)

الانتباه(الحاضر)

التوقع(المستقبل).

جميعنا نعلم ما معنى الزمن الماضي، فهو يمثل زمن ما قبل الوقت الحالي، وهو يدل على أحداث حدثت بالفعل وانتهت، وبناء عليه تم بناء الحاضر الذي يمثل النقطة التي نعيشها الآن.

أما المستقبل فهو التوقعات أو التخيلات التي نفكر في تحقيقها بناء على المعطيات التي نملكها، وغالبًا ما يُبنى على الأحلام والخطط والمشاريع وما يريد الإنسان تحقيقه.

وليتم توضيح ذلك أكثر...

في الماضي لم تكن هناك سيارات بل كان الناس يستخدمون وسائل أخرى كالحيوانات أو بعض العربات البسيطة، كانت الأدوات متوفرة وحَلُم الإنسان بصناعة أداة متطورة تسهل عليه عبور الطريق، فتم اختراع السيارة بينما ظل الإنسان يحلم بالمستقبل بسيارات طائرة، وهكذا إلى ما لا نهاية.

وهنا نتساءل هل هناك أشكال أخرى للزمان في الرواية؟

نعم، يوجد الكثير منها، وسنطرح أكثر الأشكال استخدامًا.

تُعرف الرواية بأنها تسير عكس الواقع الزمني في حياتنا، فالرواية لا تسير أحداثها من الماضي الحاضر ومن ثم المستقبل، بل يستطيع الكاتب القفز إلى المستقبل والعودة للماضي ويعرف ذلك (بالاسترجاع والاستباق).

الاسترجاع والذي يعرف باسم (الفلاش باك) هو رجوع الكاتب في الرواية لبعض الأحداث الماضية، والتي يرويها في لحظة لاحقة لحدوثها.

ويستخدم استرجاع الأحداث ليتم توضيح الشخصيات وماضيها أكثر للقارئ، ويستخدمه الكاتب ليوضح أكثر عن جوانب فكرته.

أما الاستباق، فهو إيراد حدث آت أو الإشارة إليه مسبقًا.

ويتأثر الزمان كذلك بطبيعة المكان، و بمشاعر الشخصيات وعمرها ونظرتها للأمور، كما أوردنا سابقًا في مثال الطفل والبالغ، فكل إنسان يختلف عن الآخر، بمشاعره وما يحمله من طبائع شخصية، فلو كان بطل الرواية يسكن في بلده سيجد أن لديه مشاعر لهذا المكان تؤثر على نظرته، وتختلف عن شخص قد زار هذا البلد لتوه، وبالتالي يكون طبيعة الوقت (الزمان) الذي قضاه في هذا المكان، ذات مشاعر مختلفة تؤثر على الأحداث بعكس الزائر الذي جاء حديثًا.

كذلك الصغار تختلف لديهم النظرة بشكل كبير عن الكبار، فهم يميلون للمبالغة، وتميل الأماكن لأن تأخذ منحنيات أكثر خيالًا بنظرهم، وهذه من أكثر الأمور التي توضح هذا الاختلاف والامتزاج المبهر بين الزمكان والأحداث؛ فيحدث وأن يستذكر البالغ الأمور كما كانت بعقله وهو صغير، أو تظل المشاعر التي كانت مصحوبة معه وهو صغير في أحد الأماكن حتى الكِبر، وأحيانًا يجلس البالغ ويسخر من نفسه عندما يتذكر كيف كان تخيله عن الشجرة الكبيرة في منزله، أنها غول كبير مرعب!

هل لديكم تخيلات مثل هذه عندما كنتم صغار ما زلتم تتذكرونها؟

يقع الكُتاب في الكثير من الأحيان في خطأ الانتقالات الزمنية الكثيرة، فبدلًا من تفسير الأحداث وإيضاح الرؤية، يصبح الأمر تشتيتًا للقارئ وتشويش للأحداث، مما يسبب ذلك نفورًا من القصة بأكملها.

كيف نتجنب هذه المشكلة؟

لتجنب هذه المشكلة علينا فهم واستيعاب هدف الاسترجاع والاستباق، إذ أنّ هدفهما هو توكيد أحداث معينة، وتفسير بعض الأحداث وتصرفات الشخصيات، كذلك إيضاح أحداث أخرى، وزيادة التشويق في بعض تصنيفات القصص، فدائمًا اسأل نفسك، هل هناك هدف من الاسترجاع أو الاستباق هنا؟

حاول كذلك أن تكون ملمًا بكل الأحداث، وبماضي الشخصيات، وبالفكرة بكل ما فيها، وتخيل نفسك كقارئ، وحلل النص كقارئ، ثم ارجع لتكون الكاتب واخرج أوراقك القادمة دون القفز والتخليل بشكل مزعج بالزمان.

الفصل من كتابة: داتو ولافندر.

معالمٌ منسية |عنصري الزمكان|Where stories live. Discover now