الفصل الرابع

2.5K 67 14
                                    

في مكان آخر..في منزل أوروبي صغير في ميلانو يقع في حي من أحياء الطبقة الراقية ..
تقف بطلتنا أمام نافذه زجاجية تراقب شوارع إيطاليا الجميلة وهي مغطاه بالثلج الأبيض والبيوت الصغيره الأوروبية مكسوّة بها مما زاد سحر تلك البلدة..ابتسمت بسعاده وهي ترى  الثلج الأبيض الذي بدأ بالهطول مره أخرى..فهي تعشق تلك الأجواء الأوروبية الشتوية..تعشق الشتاء في العموم..
ومما زاد عشقها لتلك البلد ان فصل الشتاء يأتي باكراً..
شعرت بيد صغيرها تشد تنورتها ..قائلاً بتذمربلكنته الأجنبيه:"شفق هياا..لقد قولتي بأنك ستلعبين معي"
اخفضت رأسها له ثم نزلت لمستواه..ثم قرصت وجنته الحمراء بخفه وهي تقول بمداعبه:"بيلو أيها الصغير..ألم أقل لك ان تناديني ماما" ثم نظرت بإبتسامه لشعره الحريري الأشقر الذهبي وعينيه الزرقاء التي تنظر لها بتذمر وبشرته الخمرية البرونزية كالايطاليين..جميل هو..جميل للغايه لهذا تناديه ب"بيلو" معناه جميل بالإيطالية ..ملامحه الأوروبية الطفولية لا تشبهها إطلاقًا..ببشرتها السمراء وشعرها الاسود الحالك وملامحها العربية الهادئة..
يمكن لون عيناهما فقط هو الشئ الوحيد المشترك بينهم..
ابتسمت بحزن .. تتذكر شئ مؤلم وحزين..
كان الصغير يتأملها كما تتأمله..ليقطع افكارها بصوته الطفولي بعد ان تخلى عن تذمره:"انتِ صديقتي قبل ان تكوني أمي..أليس هذا كلامك"
نظر لشعرها الحالك متلألأ بلمعة من ضوء الشمس الخافت فزاد حلكه وأصبح كالليل القاتم في ليله مختفي القمر بها..
ليقول بأعين مسحوره من هذا الشعر الناعم الطويل:"لما لم يكون لون شعري كشعرك..انه جميل للغايه" كان يتكلم بإنبهار طفولي..
ضحكت بخفه..حاوطت وجهه الصغير بكفيها..لتقول بشقاوة:"لما لا أكون انا بمثل هذا الجمال الذي ستفتن به الفتيات عندما تكبر" ثم قبلت خده بقوه..
نظرت له بشر وهي تردف بمكر:"لما لا ألتهمك كي اكتسب انا هذا الجمال"
لتدوي ضحكاته الصاخبة عندما هجمت عليه بقبلاتها ودغدغتها ثم انفلت منها وهويجري ضاحكاً ويصرخ وهي وراءه..
...
مستلقي ع فراشه الصغير ونائم كالملاك..وهي جالسه بجانبه وتملس ع شعره الناعم بحنان..
تنظر له بحنان يشوبه بعض الآسى وهي تراه مغمض العينين براحه تامه وكمعظم الأطفال لا يشغل باله شئ ولا يحمل هم شئ..
وكم حسدته ع هذا..و ع نومه العميق..
تتمنى لو تنام وهي صافيه البال ولو لليله واحده ..
لم تذق راحه النوم طوال خمس عشر عام..
قلبها المفطور يجعلها تتلوى ألماً كل لحظه..
بدايةً من خيانه وغدر حبيبها ونبض قلبها ثم فقده هو وأبيها..مختومة بإختفاء أخواتها..
كم تتمنى ان تراهم..كم تتوق ان يكونوا بجانبها كان هذا سيخفف عنها الكثير..
دققت ع ملامحه البريئه وع ثغرها ابتسامه حزينه..لولاه كانت تخلصت من تلك الحياه للأبد..
..
.
يقف في شرفه غرفته يراقبها بأعين سوداء مُعتمه..وانعقاد حاجبيه يدل عن استشعاره أن هناك أمر غريب يحدث وهو غافل عنه..
تلك الابتسامه التي باتت تلازمها تلك الفتره ..والتي تتسع بسعاده عندما تأتيها مكالمه وغالباً تطول تلك المكالمة المجهولة...
شرود عيناها وكأنها وتفكر في شيئاً ما.... او ربما شخصاً ما...
ازداد انعقاد حاجبيه اكثر وبدأت شرارات عينيه تنطلق عليها وهي جالسه بدلال وأنوثة ع تلك الأرجوحة الموجوده بالحديقة وكالعادة تتحدث بهاتفها...
اندفع خارج الشرفه وغرفته بالكامل..متجه اليها بخطوات قوية غاضبة..
وقف أمامها بطوله الفارع..وملامحه ازدادت خشونه عن ذي قبل..
توترت وارتبكت من اقتحامه لخلوتها..استقامت بسرعه وهي ممسكه بالهاتف بقوة لتسمعه هادراً بصوته الخشن الغليظ:"مع من كنتِ تتحدثي؟"
ازداد ارتباكها وكاد قلبها يقفز من صدرها..لتقول بنبره تجاهد فيها ان تجعلها ثابته:"م..مع ص..ديقتي"..
اثار اهتزاز نبرتها و ارتباكها شكوكه..ليضيق عينيه اكثر قائلاً بإستنكار:"حقًا!"
أومأت أسما بحذر وهي تتجنب النظر بعينيه...
اقترب منها اكثر ببطئ..يهمس بتحذير وهو يشير بسبابته امام وجهها:"سأسعد جداً لو كنتِ صادقه..لأني لو اكتشف غير ذلك...سأكون حزين جدا ع ما سيحدث معك" رأى حلقها يرتفع ويهبط..ورجفه عيناها أوضحت له ان هناك أمر ما..
ثم غادر فجأه كما جاء فجأه...
تنفست الصعداء وهي تراه من ظهره يدلف القصر بخطوات قوية...
تحاول ان تستعيد قواها بعد ان خارت امامه كجبناء...
ارتمت ع الأرجوحة التي خلفها فقد شعرت ان قدميها لا يستطيعاً تحملها..
...
..
.
في مكتب ظافر..يرتدي نظارته ذو الإطار الاسود تزيد من عمليته وهو منكب داخل تلك الملفات وحاسوبه أمامه يدرس منها بعض المعلومات الخاصة لتلك الصفقه... الا انه لم يستطيع ان يستوعب حرف او رقم واحد...لم يستطع درس تلك الصفقه ابداا
تلك التي تحوم حوله كالفراشة ..تسلب عقله بشكل ميئوس منه..تقف بجواره تاره لترى ماذا يفعل وكأنها ستفهم فيقتحم عطرها اللعين أنفه بقوه..فيترك القلم من يده مستمعاً  بعطرها الفاكهي مداعباً رغبته في أكلها..
او تجلس ع تلك الأريكة التي أمامه جلستها المريحة وهي تقلب صفحات المجلات بملل ظناً منها انه غير منتبه لها من الأساس..
الا انه يراقب كل حركه تصدر منها مستمع لكل تنهيده تخرجها..
نست نفسها انها في مكتبه وتجلس أمامه..لتعدل من جلستها أكثر لتكون مريحه...فينحصر فستانها الأبيض أكثر لأكثر..لدرجه انه استطاع ان يرى
سروالها الأصفر..
اشتدت عضلات صدره وشدد ع قبضته ..شعر بأنفاسه تثقل وربما سينقض عليها الآن..ويغرقها في بحر عشقه لها الذي غارق به منذ مده..منذ ان وجدها في قلعتهم تستنجد به بنظراتها و عسليتيها البريئه..
خلع نظارته بعنف وهو يسعل بتصنع مصدراً صوتاً عال كي تنتبه...
انتفضت بقوه لتجلس بشكل طبيعي ع الأريكة وتلك المجله بجانبها...
نظر مدعياً انه انتبه لها اخيرا وقال بنبره عاديه:"ألم تغادري بعد!!..ماذا هناك عزيزتي؟!"
نفس تلك الرجفة اللعينه شعرت بها في قلبها أثر كلمته البغيضه هذه..
استقامت وهي تقترب منه بخطوات هادئه ليوصله صوتها الناقوسي:"لم أكن اريد تعطيلك عن عملك..ففضلت ان أبقى معك حتى تنتهي..كي أتحدث معك ع راحتي"
ابتسم بداخله ساخراً فهي بالفعل عطلته..كان يدعي انشغاله بالعمل كي تمل وتذهب ..فوجودها معه وهو يعمل.. مستحيل..تشتت فكره وتسلب عقله ليكون معها هي بكامل ذهنه..
ظهرت ع ثغره ابتسامه حانيه شجعتها ع التحدث...لتقول بأعين برّاقه لكن نبرتها متردده:"توجد حفل لصديقه لي غداً..أود أن أذهب"
اختفت ابتسامته تدريجياً تليها علامات رفض وانزعاج..سمعت صوته الرافض يقول باستنكار:"وهل ظهرت تلك الصديقة هذه فجأه!!" ثم اكمل بنبره تشوبها السخريه:"منذ أيام قليله كنتِ تصرخين بأن لا أصدقاء لكِ..لذلك فكرتي بالعمل!"
رفعت حاجبيها بحزن وهي تخفض رأسها تبتلع سخريته...رفعت وجهها له مره اخرى ..تنظر له برجاء وحزن وهي تبرر له:"معك حق..لكنها كانت معي بالجامعة ووجدتني بالصدفة ع موقع التواصل الاجتماعي..وأخذت ترحب بي بحراره شديده وهي تقول كم اشتاقت لي..صرنا نتحدث لساعات ثم قالت لي ان عيد مولدها غداً وستقيم حفله وأنها فرصه كي تراني ..فالحقيقه..انا ايضا اشتقت لها كثيراً..كانت الأقرب لي عندما كنا بالجامعة "
كان صامتاً للغايه..فقط ينظر لها وهي تتحدث...فالحقيقه فهو يحب كثيرا ان يراها وهي تتحدث وتحكي عن مشاعرها..يحب ان يعرف دواخلها كلها..
ولكن هذا لا يُعني انه سيوافق..بل رفض رفضاً شديداً قاطعاً..
وكالعادة..مارست عليه سحر حواء في الوجه الحزين والنبره الراجيه مصحوبه ببعض الدلال ولا ضير ببعض الدموع..
ضارباً رفضه عرض الحائط وتكون الأميرة فقط سعيده..فقلبه يذيب بسعاده عيناها وفرحتها..
..
.
مرت الأيام وهو يشعر انها تقترب أكثر له..تقترب لجحيمه..
تلك الخائنة سيعلمها حقاً كيف تكون الخيانة..لقد أيقظت به وحشاً ..كان يحاول جاهدا تلك السنوات ان يخمده...أيقظت مجرم عائله نورالدين..آسر
..ذلك اللعين الذي بعثه لها..لم يستطع ان يجمع أي معلومات عن الأب..
الأب الذي سيكون مصيره الاسوء ع الاطلاق.. الذي سيتفنن في طرق تعذيبه ويُذيقه أياه أشكالًا وألوانًا قبل ان بعث روحه للسماء..
أبتسم بشر وهو يفكر في أبشع الطرق تعذيباً له قبل ان يعلم من هو بالأساس..
كأس الخمر بيده بعد ان كان لا يدخلها لقصره مهما كان..بعد ان حرم كل ما هو خاطئ في هذا القصر..رغباً منه ان يمحي قذرات أعمال عائلته..
وينشأوا اخوانه نشأة جديده نظيفه..لا يعيبها شئ..
الا ان كل هذا طار كالنسمات الخفيفه..منذ سماعه للخبر..وقد تعمد عدم أخبار اي احد انه وجدها..
شرب ما بكأسه دفعه واحده.. ثم أخذ يكسب الكأس للمره التي لا يعرف عددها..
كان من المفترض ان يثمل ولو قليلا ع الاقل..الا انه كان بكامل وعيه..
سمع رنين هاتفه يدوي..ألقى عليه نظره لامبالية..ليرى اسم "رائد" المكلف بمراقبه شفق..
التقط الهاتف ببرود ووضعه ع أذنه مستمعاً للطرف الاخر وهو يشرب من كأسه بلامبالاة..
ابعد الكأس عن مرمى شفتيه..ليقول بإبتسامه شيطانيه ونظرات سعيده بشر:"نفذ الأمر"

عالم ثالثWhere stories live. Discover now