إميل سيوران وفلسفة الفشل

27 3 1
                                    

كنت بكتب حاجة عن الفيلسوف الروماني إميل سيوران Emil Cioran واتكعبلت في مقال لطيف عن حياته وفلسفته وإزاي إنه كان متخذ الفشل منهج وأسلوب حياة.

أولاً لازم ننوه أن سيوران كان معاصر لسارتر Sartre وكامو Camus، وعلى الرغم من إنه مكانش بيطيقهم إلا أن فلسفته كانت بتدور في نفس فلك الوجودية والعدمية وأن الحياة ملهاش معنى ووجودنا ملهوش لازمة وماتقرفوناش بقى والكلام ده. في حين أن كامو توصل لأن الحل الوحيد لحالة اللامعنى اللي احنا عايشين فيها دي إننا نستمتع باللحظة الحالية وخلاص ومانفكرش في معنى ولا ماضي ولا حاضر ولابتنجان، سيوران كان شايف أن الفشل هو الطريق الوحيد لاكتشاف ذواتنا لأن لما بنفشل بنقرب من نفسنا وبنقدر نفهمها أكتر.

سيوران كان شايف أن الفشل هو حال الكون الطبيعية أصلاً.. كل حاجة فاشلة: العلاقات والحضارات والأنظمة السياسية والفكرية والفلسفية (بما فيهم فلسفته!). محاولات النجاح طبعًا ضرورية علشان تلهينا عن إدراك فشلنا الوجودي، بس كله محكوم عليه بالفشل.

حد ممكن يقول: "إيه القرف ده؟ طيب مانتحرش ليه وريح نفسه من الفشل الحتمي ده؟".. سيوران كان حاطط الانتحار قدامه كاختيار متاح دائمًا، بس برضه كان شايف أن طالما هو معندهوش سبب للحياة، ليه يبقى عنده سبب للموت ويبقى متأكد منه كمان لدرجة الإقبال على الانتحار؟ فالأحسن الواحد يعيش كأنه ميت.

المهم يعني أن حياته كانت سلسلة من الفشل فعلاً.. اشتغل كمدرس بس ماقدرش يكمل، سافر باريس يحضّر دكتوراه وكل اللي كان بيعمله هناك أنه كان بيأكل ويشرب على قفا الجامعة.. وبعد ما ساب الجامعة فضل عايش عالة على أصحابه ومعارفه المؤقتين، وكان شايف أن دي الحياة المثالية بلا أهداف أو إنجازات.

يُقال إن سيوران كان مقرر أنه ينتحر – هو وصديق له – لما يبكر، بس للأسف لما كبر أُصيب بمرض الزهايمر وتقريبًا نسي أنه كان عايز ينتحر.. فحتى قراره ده فشل أنه ينفذه (سواء نسي فعلاً ولا تناسى).

تقريبًا الحاجة الوحيدة اللي نجح فيها سيوران هي كتاباته اللي نجحت وانتشرت رغم أنفه. كتابات سيوران السياسية والفلسفية قد تُعتبر متناقضة ولكن السبب في ده هو أن سيوران مكانش بيكتب للناس على قد ما كان بيكتب علشان يحافظ على صحته العقلية والنفسية قدر المستطاع (على حسب قوله)، فطبيعي أن خلال رحلته لفهم نفسه والوجود من حواليه تطلع آراء غير متسقة مع نفسها.

وده اللي بحبه في سيوران.. أن عمره ما أخد نفسه أو أي حاجة قالها أو عملها على محمل الجد. كان مثالاً متجسدًا للإنسان الهلامي الفاشل الجميل.

الأزمة الوجودية في الفترة المسائيةWhere stories live. Discover now