البانوبتيكون والمراقبة

21 4 0
                                    

أصدقاء البرنامج من ال hardcore gamers أكيد عارفين لعبة Battlefield. فيه مهمة في إصدار اللعبة الرابع – تحديدًا اسمها Operation Locker – بتقع في سجن شديد الحراسة في الصين. السجن ده مبني على طريقة البانوبتيكون Panopticon اللي صممها المفكر الإنجليزي جيريمي بنثام Jeremy Bentham في القرن الثامن عشر.

بنثام جيه في يوم وقال إيه رأيكم يا جماعة لو عملنا سجن بتصميم مختلف عن المعتاد، السجن ده هياخد شكل دائري وهيكون فيه برج مراقبة في النص اللي هيطلعه هيبقى عنده القدرة إنه يشوف كل الزنازين (زنازين ولا زنزانات؟) من مكانه كما موضح بالصور، وسمى بنثام التصميم "البانوبتيكون".

بنثام جيه في يوم وقال إيه رأيكم يا جماعة لو عملنا سجن بتصميم مختلف عن المعتاد، السجن ده هياخد شكل دائري وهيكون فيه برج مراقبة في النص اللي هيطلعه هيبقى عنده القدرة إنه يشوف كل الزنازين (زنازين ولا زنزانات؟) من مكانه كما موضح بالصور، وسمى بنثام الت...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

أهم ما يميز البانوبتيكون إن الزنازين الإضاءة بتاعتها ضعيفة والبرج فيه كشاف قوي جدًا بحيث يمنع المساجين من رؤية الحارس اللي بيراقبهم من البرج. وبالرغم من إن الحارس مش هيقدر يشوف كل المساجين في نفس ذات الوقت (لازم يلف في مكانه يعني) إلا أن عدم قدرة المساجين على رؤيته بتخليهم على طول معتقدين إنه باصص عليهم وإنهم متراقبين وده هيعيشهم في خوف وحذر دائمين.

 وبالرغم من إن الحارس مش هيقدر يشوف كل المساجين في نفس ذات الوقت (لازم يلف في مكانه يعني) إلا أن عدم قدرة المساجين على رؤيته بتخليهم على طول معتقدين إنه باصص عليهم وإنهم متراقبين وده هيعيشهم في خوف وحذر دائمين

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

البانوبتيكون ماتحولش لسجن فعلاً لكنه أتحول لفكرة ترمز للخضوع للمراقبة الدائمة. واحد زي الأستاذ فوكو مثلاً استخدم الصورة اللي صممها بنثام علشان يشرح إزاي السلطة بتتحكم في الخاضعين لها في العصر الحديث وبيقولنا إن السلطة بتفرض سيطرتها على الأفراد عن طريق خلق خوف دائم جواهم بإنهم متراقبين، ودي بالظبط الفكرة اللي قايمة عليها رواية "1984" لجورج أورويل اللي المواطنين فيها كانوا متراقبين حتى داخل بيوتهم من "الأخ الأكبر".

طيب هل يا ترى ده فعلاً بيحصل وفيه حد قاعد في برج المراقبة بيبص علينا ولا ده كله كلام تنظير؟ الحقيقة إننا لو بصينا حوالينا هنلاقي إنه لا تنظير ولا حاجة.. المجتمعات الحديثة كلها بقت قايمة على فكرة المراقبة. إنزل أي مدينة كبيرة وشوف فيه كام كاميرا مراقبة في الشارع.. أو في المحلات.. أو في الجراجات.. أو في الفنادق.. عدد مهول من كاميرات المراقبة! وبالرغم من إننا عارفين إن مش شرط يكون فيه حد قاعد في الطرف الآخر مركز معانا وبيتفرج علينا إلا إن مجرد وجود الكاميرا اللي موجهة ناحيتنا بيحط جوانا شعور قهري بالانضباط.

حتى وجودنا على شبكات التواصل الإجتماعي بقى نوع من الخضوع لسلطة البانوبتيكون. بغض النظر إن حياتنا كلها بقت متاحة للمشاركة بإرادتنا أو من غير (ممكن تبقى قاعد تلعب في مناخيرك وأنت سرحان مستني المترو هوب تاني يوم تلاقي نفسك في خلفية صورة على الفيسبوك لواحد كان بيتصور سيلفي).. كمان فكرة إن فيه سلطة ما ليها القدرة إنها تشوف هذا الكم من المعلومات والكلام والصور بتجبرنا على التصرف بأسلوب معين ووفق أطر معينة.

وبما إن الإنسان تويستد ابن مجنونة بطبعه، شاف إن فكرة البانوبتيكون والمراقبة الدائمة دي تصلح لمجال الترفيه فظهر عندنا حاجة زي تليفزيون الواقع: هات شوية بني آدمين وحطهم في مكان متراقب على طول بالكاميرات... طبعًا في السيناريو ده إحنا – كمشاهدين – الحارس اللي في البرج، والناس اللي بتتصور هم المساجين اللي معندهمش فكرة مين بيشوفهم وامتى لكن عارفين إنهم متشافين. الجنان في الموضوع بقى إنهم مش مجبرين على الوجود في السجن، والخضوع للمراقبة المستمرة بيحفزهم إنهم يتصرفوا بشكل معين مش علشان مايزعلوش الحارس (إحنا) بقى المرة دي.. لأ، علشان يبسطوه! والموضوع بيتحول لممارسة voyeuristic غريبة برضا الطرفين. وأصدقاء البرنامج الأبرياء اللي مايعرفوش يعني إيه voyeurism فده الشعور بالمتعة من خلال رؤية الآخرين وهم بيمارسوا الجنس أو أي ممارسة تانية حميمية.. والفكرة قايمة على الشعور بالقوة من خلال التلصص..

وبكده يبقى الإنسان المعاصر حول فكرة البانوبتيكون لستربتيز شو.. المساجين قاعدين يرقصوا بإغراء ودلع علشان يلفتوا نظر الحارس اللي هم مش شايفينه أصلاً ويخلوه يريل عليهم (إني آسف على الصورة العجيبة دي). وبالرغم من إن موضوع تليفزيون الواقع ده بياخد الفكرة لمستوى آخر من سحلة الدماغ إلا إنه بيوضحلنا إن ديناميكية السلطة يمكن تغييرها بحيث إن السلطة تبقى في أيد المساجين\الأفراد عن طريق التحكم فيما يراه الحارس\السلطة بدلاً من الخضوع له..

طبعًا الموضوع هيدخلنا في حلزونة من ال identity performance ولكنه بيوضحلنا جانب آخر من البانوبتيكون اللي تخيله الحاج بنثام ألف رحمة ونور عليه.

تمت... خدوا باب البانوبتيكون وأنتم خارجين.

الأزمة الوجودية في الفترة المسائيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن