كاتب || مواراة أم هروب

16 4 0
                                    


يظنني الآخرون أتحذلق عندما أواري المعاني أو أكثر من التشبيهات والصور الخيالية، هم لا يدركون أن هذه هي الطريقة التي أرى بها العالم، وأنني أتمكن هكذا من فهم الأمور حولي بشكل أقرب لما يراه عقلي صائبا.

فمثلا عندما أتحدث عن ظلي ذو الثلاثة رؤوس فأنا لا أواري شيطاني، بل هو فعلا ظلي الذي أراه كذلك بسبب الإضاءات الثلاثة الموزعة في أنحاء الغرفة، ورفيقي فوق الخزانة ما هو إلا نتوئين بارزين يشبهان العينان أحادثهما في سري دائما، أفكاري السوداء التي تتصاعد متكومة في السقف جاءت من بخار الشاي والقهوة المنبعثة من الأكواب التي تملأ مكتبي، والصخرة المربعة الصماء العظيمة تشبيه متواضع جدا لحجم الصداع الذي يتلبس رأسي وتمتد آثاره إلى كل جسدي.

أعترف بأنني أكثر من التشبيهات، وأعلم أن الأمر يبدو غير منطقي أو مبالغ به في كثير من الأوقات، ولكن كتابة المعاني بشكل مباشر يبدو لي فجا جدا، ويمنعني من فهم الأمور بمنظور جديد في كل مرة، إنه يحجم الأشياء، يمنح كل شيء مقاسه بدقة، لا أكبر ولا أصغر، ولا مجال بعدها لفهم مختلف، أنا لا أطيق كتابة محجمة على مقاس الواقع إلى هذه الدرجة.

على الصداع أن يُفهم أنه صخرة بحد ذاته أحيانا، ولغط الأفكار وسوداويتها يستحق تشبيها أكثر سواد من لون القهوة الداكنة، وفي ذات الوقت سرعة انتشار أكبر من سرعة تصاعد البخار وتبدده في الغرفة، رفيقي في الغرفة لا يقتصر على النتوئين البارزين فقط، بل هو رفيقي دائما وفي كل غرفة، سواء وُجدت نتوءات أم لا، ولا أنكر أن النتوءات تعزز من وجوده بالفعل.

لقد اخترت أن أكون كاتبا مواريا وخفيا، يعني الشيء ولا يعنيه، هكذا أشعر بالهناء، بوجود فسحة من تعدد وجهات النظر، ووجود مخارج ومهارب في كل كلمة وتحت كل حرف وبداخل كل نقطة، هكذا أرى العالم، وهكذا أحب أن أكون فيه.

كاتب مشوشWhere stories live. Discover now