الفصل 09: هالة البدر المكتمل

269 29 87
                                    

الفصل 09: هالة البدر المكتمل

هدوء فائق يعم غرفة الاستقبال الضيقة والمؤثثة بعناية، حيث السيدة مارغريت صاحبة الاثنين والستين خريفا، تتكئ بكسل على مقعدها الخشبي قرب شرفة شقتها المتواجدة بإحدى العمارات السكنية الواقعة خلف مشفى البلدة.

بيدها كوب ممتلئ حتى منتصفه بمشروب أعشاب؛ استحال باردا بعد أن اعتادت راحة كفها على درجة حرارته، لربما نسيت أنها تحمله أساسا.

حملقت مارغريت بعيونها الغسلية الشاردة عبر زجاج الشرفة، كما لم تتحرك من مجلسها ذاك منذ ساعتين على الأقل، ريثما تريح مرفقيها على ملاءة ناعمة أرسلتها على ركبتيها حتى لامست الأرضية الخشبية.

صدرت بضع نقرات من الساعة الحائطية العتيقة، فإذا بصوت قفل المفتاح ينبعث من باب الشقة، ثم استدار مقبض الباب نصف دورة ببطء شديد.

التفتت السيدة النعسانة نحو مصدر الصوت، حيث وقع بصرها على وجه حفيدها الممتقع من الدهشة.

كان أقصى مسعى ذلك المغفل أن يقتحم البيت خفية طالما الجدة نائمة، ولكنه فوجئ لما وجدها قد تخطت موعد نومها المعتاد وجلست تنتظر عودته بفائض من الصبر.

-"ظننتكِ نائمة.."

نبس إيفان في ارتباك، ولم يتجرأ على إضافة كلمة أخرى.

مارغريت في العادة توبخه بشدة كلما خالف تعليماتها الحريصة، إلا أنها بدت منهكة تماما هذه المرة ولم تُظهر أي بوادر للعصبية أو الانفعال.

لا شيء غير تعبير ضحل عن خيبة الأمل، استطاع إيفان قراءته بمنتهى الوضوح.

-"أهلا بك عزيزي، تأخرت على عكس اتفاقنا."

وشوش صوت مارغريت ذو البحة الخفيفة، أما الحفيد فلم يردف، نظف حلقه في ارتباك ثم أشاح عن نظرتها الخاملة.

ثم التقط بعض الهواء و نفخ صدره في استعداد لإلقاء اعتذار منهجي قبل أن تصوب مارغريت فردة خُفِّها على وجهه، ولكنه بالكاد حرك شفتيه حتى أخرسته ابتسامتها العذبة.

صارت تربت على ركبتها بخفة كي يأتي ويضع رأسه في حضنها.

حينما رأى إيفان ذلك منها أبى إلا أن يستجيب لها ويأخذها في عناق دافئ ينسيه وحشة تلك الليلة المشؤومة.

اندفع نحوها مرسلا فردتي حذائه خلفه في الهواء دون أن يفك أربطتها حتى،  وحشر وجهه في حضنها كأنه لم يشعر بدفئها ولم يتنفس رائحتها منذ سنين.

بينما همت مارغريت بنفض ما بقي عالقا من برادة الخرسانة والتراب على رأسه، دل صوتها الأجش عن نعاسها الشديد مقاطعا الصمت الذي سيّد نفسه للحظات..

شيفرة ليتوفيتشينكوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن