IX

636 72 13
                                    

الفصل التاسع: زفِير.

...
" جيمين! آلِن سيدفعُ للعشاءِ الليلةَ!" قاطعَ شرودَ حليبيِّ البشرةِ صوتُ صديقهِ المرحِ أوليفر وَ هوَ يدعُوهُ للدخولِ إلَى المطعمِ.
" قادمٌ!" هتفَ جيمين وَ إرتدَى قلادتهُ ثانيةً بعدَ أنْ كانَ يتأملُّهَا منذُ دقائقَ، ليلحقَ بزملائهِ بالفرقةِ.
المدينةُ التِي هُم بهَا الآنَ عامرةٌ ليلًا علَى غيرِ العادةِ، ممَّا يسهلُّ عليهِم إيجادَ مقرِّ إقامةٍ وَ مأكلٍ.

" مابكَ شاردٌ يَا صغيرِي؟ هلْ خطفتِ قلبكَ إحدَى الآنساتِ بالجوارِ؟" قالَ أوليفِر بدراميَّةٍ وَ حشرَ فِي فمهِ منَ السلطةِ أمامهُ.
إنتقعَ وجهُ جيمين بالأحمرِ القانِي وَ صرخَ منفعلًا.
" ليسَ كذلكَ..أنَا لازلتُ صغيرًا!" قهقهَ رفاقهُ لردَّةِ فعلهِ اللطيفةِ ممَّا زادهُ إحراجًا.

" إذًا مَا لكَ تقلِّبُ الطعامَ دونَ أنْ يبلغَ فمكَ؟ أنتَ تأكلُ جيِّدًا عادةً." قالَ أوسكَار وَ وضعَ يدهُ علَى كتفِ حليبيِّ البشرةِ الذِي تنهدَّ وَ نفَى وجودَ مَا يقلقهُ.
" أنتَ تعلمُ أنَّكَ لنْ تخدعنَا، فِي الحقيقةِ أنتَ تبدُو غريبًا منذُ ظهرِ اليومِ حينَ غادرنَا الفندقَ." أردفَ آلِن بعدَ أنْ فكرَّ مليًّا.

إحتارَ جيمين كثيرًا قبلَ إخبارهِم عنِ الأمرِ، فهوَ لمْ يتحدَّثِ عنْ ماضيهِ منذُ تلكَ الليلةِ قبلَ سنتينِ.
" لقدْ إحترقَ منزلنَا حينَ كنتُ فِي السابعةِ، ثمَّ ذهبتُ لمنزلِ عمِّي وَ لَم نتفِق لذَا أخذنِي إلَى الميتمِ.
هناكَ قضيَّتُ عدَّة سنواتٍ منْ حياتِي بينَ حيطانِ الملجأِ، معَ أخِي تايهيونغ، كنَّا نتعلَّم اللغاتَ وَ العلومَ وَ التاريخَ وَ الجغرافيَا وَ العزفَ وَ المسرحَ، صارَ ذلكَ المكانُ فِي فترةٍ مَا منزلًا لِي، أشعرُ فيهِ وَ معَ أهلهِ بالألفةِ وَ الدفءِ، إلَى أنْ أتَى يومٌ فقدتُ فيهِ منْ أحبَّهُ قلبِي بصدقٍ وَ منْ كانَ شمعةً مشتعلةً ينارُ بهَا طريقِي، وَ منْ بعدهِ إسودَّتِ الدنيَا حولِي وَ ساءَ العيشُ فِي الميتمِ."

إرتشفَ جيمين بعضَ المياهِ منَ الكوبِ أمامهُ وَ قدْ لاحظَ توقفَ رفقائهِ عنِ الأكلِ وَ إنتباههُم الشديدَ لهُ فلطالمَا كانَ ماضيهِ لغزًا جذَّابًا، فرغمَ أنَّهمْ معًا منذُ سنتينِ، وَ رغمَ إفصاحهِم عنْ ماضيهِم المشتركِ إلَّا أنَّهُ تحفظَّ عنِ الحديثِ وَ عمَّمَ الأمرَ دونَ الدخولِ فِي التفاصيلِ مثلمَا يتحدَّثُ الآنَ.

" صارَ ذلكَ النعيمُ جحيمًا، لاَ يطيبُ فيهِ العيشُ، أسمعُ التجريحَ كلَّ يومٍ وَ رغمَ أنَّنِي أتظاهرُ بالقوَّةِ إلَّا أنَّ الكلماتَ شديدةٌ فَتهزُّ ثقتِي وَ ترُّشُ الملحَ فوقَ جروحِي المفتوحةِ، أحملُ عبئًا وَ أتمسَّكُ بطرفِ حبلٍ رقيقٍ، كنتُ أحيَا هكذَا كلَّ يومٍ.
إيمِي، أختِي الصغيرةُ، كانتِ دائمًا تقلقُ وَ تحاولُ إبهاجِي لأنَّنِي دائمُ العبوسِ.
ليسَ أنَّنِي لمْ أحبَّ بقيَّةَ الأطفالِ، لكنْ منذُ كانتِ رضيعةً، قضيَّتُ معهَا الكثيرَ منَ الوقتِ.
أشتاقُ لتلكَ الأيَّامِ المسالمةِ الجميلةِ..لمْ يخيَّل لِي يومًا أنَّ نهايتهَا -الأيام- ستكونُ بتلكَ الفظاعةِ..
لقدْ قرأتُ فِي الصحيفةِ ظهرَ اليومِ، أنَّ ميتمًا يدعَى روك بِيل قدْ كانَ يديرُ جرائمَ قتلٍ بشعةٍ فِي حقِّ العديدِ منْ أفرادِ الجمعيَّاتِ الخيريَّةِ منَ النبلاءِ."
إسترسلَ جيمين حديثهُ وَ قدْ إرتعشَ صوتهُ حينَ بدأَ الحديثَ عنْ الطفلةِ إيمِي.

Endless | لاَ متناهِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن