الفصل الرابع عشر

2.4K 202 33
                                    

الفصل الرابع عشر
بقلم عبدالرحمن الرداد

ارتفع صوت آذان الفجر ليشق صمت الليل المظلم ويعلن عن بداية يوم جديد، استيقظ «إلياس» الذي لم يشعر بنفسه ونام محله على الأريكة، كان يشعر بالبرد كثيرًا لأنه نام بدون غطاء، نهض من مكانه بصعوبة ثم توجه إلى المرحاض ليتوضأ وما إن انتهى حتى ذهب إلى غرفته وسحب سترته الشتوية الثقيلة ليرتديها قبل نزوله إلى الأسفل. دقائق قليلة كانت كافية لكي يصل «إلياس» إلى المسجد القريب من المنزل حيث تقدم ووقف لكي يصلي سنة الفجر فهو حينما يكون مستيقظا لأداء صلاة الفجر لا يفوت تلك السنة فهو قد استمع من شيخ هذا المسجد من قبل حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول الشيخ بعد رفع الأذان "عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ركعتَا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها))، وعن عائشةَ رضِي الله عنها، قالت: ((لم يكُنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شيءٍ مِن النوافلِ أَشدَّ تعاهُدًا منْه على رَكعتَي الفجرِ))"
لذلك كان يحرص كل الحرص على أداء تلك السنة قبل أداء صلاة الفجر.

مر الوقت وانتهت الصلاة قبل أن يتجه «إلياس» إلى الحاج «خلف» الذي نظر إليه باهتمام ليقول الأول بجدية:
- أنا مسافر النهاردة أنا وإيلين يا حاج خلف، جيه الوقت اللي كنت مستنيه وقولتلك عليه
نظر إليه نظرة تحمل القلق فهو يعتبره ابنا من ابنائه وردد بهدوء:
- إلياس يابني عقاب ربنا هيجيلهم في الدنيا والآخرة، خليك ومتدخلش عالمهم لأن الناس دي ملهاش أمان، دخولك وسطهم يعني دخولك جحر التعابين والتعالب
ابتسم «إلياس» ليجيبه بإصرار وقد اتخذ قراره:
- متقلقش يا حاج خلف، أنا دخلت الجحر ده من زمان، أنا معنديش حاجة اخسرها وفي نفس الوقت ربنا معايا، جيه الوقت اللي ينتهي فيه ظلمهم، ادعيلي بس يا عم خلف وسيبها على الله
ربت على كتفه بهدوء ونظر إلى عينيه ليقول بثقة:
- أنت راجل وجدع يا إلياس، أنا واثق إن ربنا هيبقى معاك ويحميك منهم لأنك نضيف من جوا، هدعيلك يا أبو قلب ابيض، هدعيلك ربنا ينجيك وينصرك عليهم وتنهي ظلمهم
ابتسم ورفع يده لكي يقبلها قبل أن يقول:
- بس مش عايز حاجة تانية غير الدعوة دي يا والدي
حضنه «خلف» بقوة لكي يودعه بينما تنفس الآخر قائلًا:
- مش هتأخر إن شاء الله

رحل «إلياس» عائدا للمنزل وما إن دلف حتى وجد العشاء الذي جهزه بالأمس مما بث الحزن بداخله فهو أراد أن يكتمل اليوم على خير لكن ما حدث كان عكس ذلك، تنفس بهدوء ثم توجه إلى غرفته وقام بتجهيز المتبقي من أشيائه استعدادا للسفر. مر من الوقت ساعتين قبل أن تستيقظ «إيلين» من نومها، خرجت من غرفتها لتجد «إلياس» يمارس رياضته الصباحية وهي الضغط، تجاهلته واتجهت إلى المطبخ فسمع هو صوتها لذلك اعتدل وتوجه تجاه الصوت قبل أن يقول بتساؤل:
- كويس إنك صحيتي، جهزي كتبك وحاجاتك المهمة علشان هنسافر اسكندرية النهاردة
رفعت أحد حاجبيها ورددت بتساؤل:
- ليه؟
أدار ظهره لها واستعد للرحيل وهو يجيبها:
- كدا هنقعد هناك فترة وهنقلك لمدرسة هناك تكملي فيها
تحرك خطوتين بعيدا عنها لتوقفه كلماتها المفاجئة:
- ولو قولتلك مش هسافر
التفت ونظر إليها نظرة غير راضية فهو اعتقد أنها تعاقبه على اخفائه أمر عائلتها لذلك ابتسم وردد بهدوء:
- أنا مش باخد رأيك، أنتي هتسافري سواء برضاكي أو غصب عنك
رحل وتركها لتبكي فهي لم تتوقع هذا الرد منه، بداخلها نار تحترق ولا تستطيع التحدث فهي ألقت اللوم على «إلياس» الذي لا ذنب له، هو فعل كل شيء لأجلها لكنها لم تتحمل كذبه عليها كما أن صدمتها في معرفة ماضيها جعلت عقلها مشوش للغاية.

شــمــس إلــيــاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن