معنى الصداقة

14 2 0
                                    

    مع التقدم في العمر لا بد من النضج في نواحٍ عدة، ومنها مفهومي عن الصداقة ومعناها بالنسبة لي، وبالتحديد مفهوم صديقي المفضل.

    لم أعد أوقن بأن التواصل اليومي أمر مهم، ولا حتى تبادل التعليقات المبهجة على فيسبوك أو الردود على الإشارات والضحك وإظهار الود أمام العامة، ولا حتى نشر صورنا معًا في حالات الواتساب، هذه الصداقة المكشوفة أمام الغير ولأجلهم تافهة جدًا؛ فأنت تذكرني في منشور ما في حين أن آخر تواصل بيننا كان منذ أشهر. هذه الأفعال تترجم على أنها محاولة لإعادة الود أو الحفاظ عليه، لكن ماذا ترجو من علاقة تُتعبك بهذا الشكل، كي تثبت أنها ما زالت حية؟
لطالما كانت السمات الأسمى في الصداقة هي عفويتها وصدقها وإن انعدمت فليس لها داعٍ، فالمجاملات غير مرغوبة.

    أنت تريد أن تؤكد للغير أنك محبوب ولك أصدقاء كثر يحيطون بك، والغريب أنه رغم وجودك الأبدي في المواقع لا أكاد أجدك وقت حاجتي، فعندما يهبط الليل لا يتبقى لي أحد لأكلمه عن تصرف الأستاذ غير المحترم معي، أو كيف شعرت أن السحب تظلل خطواتي وأن لطف الله يواسيني.
وعندما تسنح لك فرصة في أوقات فراغك ستذكرني، ذلك الصديق المركون على هامش اهتماماتك، وستتواصل معي، ولن تقدر على فتح أي موضوع آخر سوى كيف الحال والحمد لله، وستصدق كذبات نفسك بأنني ما زلت صديقك المفضل وأنك بنفس المنزلة عندي، وسأقابلك بحياد القانع المتخفف، فما عدت مفضلي وبالتأكيد لست صديقي، لأن الأصدقاء القدامى عندما يتقاعدون يعرفون بالمعارف، بالرفقاء وألقاب أخرى عادية مثلهم.

    لا أستطيع أن أقبلك كصديق إن لم تنتبه لتصرفاتي وتغيراتي، إن لم تخبرني عن عاداتي السيئة وتوافقني على استبدالها، لست صديقي إن لم أكن من أولوياتك، إن لم تخبرني عن الأحداث الثانوية، فكيف يا ترى ستكون صديقي وأنت تخبئ عني أهم قرارات حياتك؟ وتجعلني أبدو كالأخرق وأنا أكتشف ذلك بعد سنة؟

    عرفت أن مشاركة رابطة قوية كالصداقة مهارة لا يتقنها الكثيرون، ولكن عدم امتلاكك لهذه المهارة لا يعني بالضرورة أنك سيء. يعني فقط أنك لا تعلم كيف تنهي العلاقات الباهتة.

في وداع العشرينات.Where stories live. Discover now