33) رسالة لكِ يا طفلتي الحبيبة

251 30 12
                                    

__

---------

أمسكت بقلمِها لتنزِف من حبرهِ حُروفاً مُبعثرة ، الدُّموع استُنزِفت و التّكذيب والعويلُ انقضى وقتُهما .. وقد حان الوقت لتُطلق العنان لما بداخلها ، لتنتشل الْحُزن الَّذي يكمُن بجعبتها ، بالطّريقة الوحيدة لها وللعديدِ غيرها ؛
الكتابة ..!

___________________
___________________

طفلتــِي حبيبتي ، يا جُزءً منّي وقطعة من فؤادي ، انتِ لا تعلمين كم أُحـُبّـك ، حُـبًّا جمًّا يكادُ يقتلني شوقاً لأراكِ ، صحيحٌ أن حين تلتقطين أوَّل أنفاسك سأكونُ قد تلفّظتُ آخر أنفاسي ، ولكن رغــــمَ هذا أنا أكثرُ من يُحبّكِ .. ولعلّ أكثر كلماتٍ ستتردد في رسالتِي ؛ سيكون محتواها حبّــي لكِ !

أخترتُ لكِ اسماً يليقُ بك ، اسماً ذا ميزة عظيمة في قلبي لأَنَّنِي اخترتُهُ لك .. ولأنّهُ لك

- مــيــلادا -

ومعناه ، مكنونهُ الحقيقيّ يا حبيبتي ، هو الحب ..
انتِ حُبّي رغم أنّني حتماً سأكون في قبري حين تقرأي هذِهِ الرّسالة ..

كانت أمنيتي هذه الأيّام أن تكبري أمام عيناي ، أن ارى في عينيكِ مرحَ الطّفولة ، هوسَ التّجميلِ في المراهقة وتراهاتُها والحيرة ، فتأتينَ لتستشيريني وأُرشدكِ ..

تمنّيتُ أن اراك تنضجين يوماً بعدَ يوم .
ولكنَّ الأَمَاني لا تتحقّقُ دوماً يا صغيرتي ..

طلبِي الوحيدُ أن تأخُذي بكلماتي ك قُرطٍ في أُذنيك لا تخلعيهِ على الإطلاق ، ولا تجعليه يندثر في صفحات النسيان ، بل أبقيهِ مدى الدّهر زينةً على أذنيك ..

سأكتبُ لك يا لذّة آخر أيّامي ؛ الكثير مما مررتُ بهِ ، لتعلمي مقدار أملي بك وأنّني ناضلتُ وقاتلتُ بضراوة لأجلك لأَنَّنِي أعلم انكِ لن تدعي انهاكي يذهبُ هباءً منثوراً ..
وان والدتك أنشأت فتاة جميلة مثلك لتكون ثقتها بنفسها ، القوّة ، والأنوثة هي عنوانُها .
صحيح ؟

____________________

قطعَ حبل أفكارها دخولُ إيثان بحذر وقال :
" ديالاا ، هيّا موعدُكِ للكشف على الجنين سيفوتنا " .

تحسّست بطنها ومكان الجنين بابتسامة ذابلة وأومأت بهدوء وهي تُغلق الكتاب وتضعهُ في الخزانة مُقفلة عليه بإحكام .

--------------
--------------

تمرّ الأيَّام يوماً بعدَ يوم ، ما بين خريفٍ وشتاء !
ما بين صمتِ خريفٍ وعصف شتاء ..
ما بين تساقُطِ أوراقً صفراء ممزوجة بالبرتقاليّ ، وبردٍ قارس يجعل انفاسنا بيضاء كثلوجهِ .

تنفّسَت الصعداء ولعلّ هذه الانفاس الخارجة تحمل معها زخّات الألم المُنتشل في ظلمة غلساء أزليّة .. ولكن كَلَّا ، هو مصرٌّ على البقاء بجوفِها ما بقيَ العمر !

كانت مغمضة عينيها باضطراب ، مزاجها متقلّب ونفسيتُها مزرية حدّ النّخاع .. والألم لا ينفك عن  زيارتها بين الحين والآخر مع غثيان وإرهاق !

كلّ هذا كان مُضاعفاً بسبب السّرطان !
بل الخبيث اللعين يليقُ بهِ أكثر .

تشعرُ بدنوّ انتهاء حياتِها ،  تشعر بانقباض مؤلم ، ودرجة حرارة مرتفعة ..

كلّ شيء كان مزري حدّ الهلاك .. حدّ الموت ..

صرخت صرخة عميقة تداخلت مع أنينها بصوت قطرات المطر ، فصدرت أُعزوفة غريبة على المسامع ، كَلَّا .. بل هي ستلدُ الآن !
احساسٌ قوي يروادها بهذا ..

تغمض عينيها اكثر واكثر لتجاهل الالم الَّذي يأبى الرحيل ، لم تأبه لحالها قدر اهتمامها بطفلتها ، تُتمتم بكلمات لا تُسمع مادّة يدها للمنضدة محاولة إيجاد هاتفها .

وحين امسكت به اخيرا ، نقرت على رقمهِ بسرعة ورجفة ، جائها صوتهُ من الطّرف الاخر قلقاً :
" ديالا ؟ " .

وبأنفاس متقطّعة ووجه اصفرّ تعباً :
" ايثان ، اريد الذّهاب للمستشفى .. الآن ! " .

قال مرتعباً  بوجل :
" قادم ! حذاري ان تتحرّكي من مكانكِ " .

اومئت وهي تبتلع ريقها بغصّة ألم رغم انه لا يراها .
ودموعها المكبوتة منذ زمن قد ذرفت بغزارة وشدّة حين رأت الماء المُنفجر منها .

_________________

تناثـُر الأحمـَر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن