٠~الفصل الأول~٠

476 9 2
                                    

~إمرأة من رحم الألم~

لفصـــــــــــل الأول

وقف "نديم" متحفزًا دون قصد منه أمام النافذة المفتوحة، عيناه شاردتان، ويدُه في رحلة محفوظة صعودًا وهبوطًًا نحو فمه الذي يستقبل لفافة التبغ بين شفتيه بشكل آلي تدرب عليه منذ سنوات مراهقته، لم يتوقف عن التدخين إلا في الأيام التي كان يقضيها في الكلية فقط، لم يكن يدمنها وقتها، أما بعد تخرجه بسنوات وعمله في قسم الشرطة لأنه أبن (اللواء رفعت السمري) سابقًا، تحديدًا منذ عام كامل أًصبح مُدمنًا عليها، رائحة الدخان لا تفارق مكتبه ذا المساحة الواسعة، والمطلية جدرانه بالرمادي الداكن الذي يُشعره دائما بالكآبة ولأنه يفضله، يُضفي عليه الهيبة اللازمة كما يظن، مكتبه الخشبي من خلفه مُزدحم بسبب شروده الذي ازداد في الآونة الأخيرة، الملفات مفتوحة علي مصرعيها، الصور والأوراق مُكدسة في كل ملف علي حدة، وماذا لو قام ببعثرتها فاختلط بعضها بعض؟، هل سيشكل فارقًا؟!، كل ملف بداخله قضية غامضة، أما القضية الجديدة تختلف كثيرًا، المتهم ليس الجاني، لكنه يعترف علي نفسه أنه المتهم، تلك القضية فهي تختلف كثيرًا، رجل يقتل رجل أخر ، ولا تجد الحكومة الجثة، القاتل لا يعرف أين هي، ولكنه يعترف أنه مرتكب الجريمة كاملة ولم يتم تحريضه علي القتل.

طَرقاتٌ علي الباب وصله صوتها لم تجعله يستدير للخلف، ويبدو أن الطارق قد اعتاد علي ألا يوليه أحد اهتمامه وهو يرفع صوته بنبرة عسكرية:
-أخت المجني عليه برا يا فندم.
وبعد إيماءه صغيرة برأسه وهو يلقي لفافة التبغ عبر النافذة، ثم زفر بقوة والتفت ليستقبل زائرته واضعًا كلتا يديه في جيبيه سرواله، دلفت "ريهام" إلي الغرفة بنفس عباءتها السوداء الفضفاضة، وحجابها الملفوف طبقة واحدة حول جيدها، تعاطف "نديم" معها كما لو كانت أحد أقربائه، لقد تخطت الخمسين في ذلك المظهر الكئيب رغم صغر سنها، بعد وفاة أبيها لم يتبق لها من الدنيا سوي زوجها الحبيب، الذي اعتبرته رجلها وعائلتها وكل ما تملك من الدنيا, أشار "نديم" لها بالجلوس وهو يدور حول مقعده خلف مكتبه، ويجذبه للخلف قليلًا قبل أن يحتله بجسده العريض، لملم بعض الأوراق وهو يعيدها إلي ملفها بترتيب غريب عليه، هو من طلبها اليوم؛ لتأتي إليه، ولكنه يجهل الطريقة التي سيخبرها بها عن الأخبار الجديدة في قضية أخيها، هل يخبرها الحقيقة الكاملة أم يتركها تفرح فقط بخبر اعتراف الجاني؟.

-أكيد في حاجة جديدة في القضية خلتك تجبني النهاردة؟

قالتها وهي تنظر له بنظرات مترقبة وهي تحاول اغتصاب الصمت السائد بينهما، حاول أن يُجبر ملامحه الحادة علي التفاؤل، ولكنه فشل فبقيت شبه ابتسامة بلا روح فوق شفتيه وهو يقول بسرور مصطنع:

- المتهم أعترف أنه أرتكب الجريمة وهو دلوقت في طريقة للنيابة.

نهضت واقفة وهي تكور كفيها بتصلب شديد هاتفة بتساؤل تعرف إجابته:

إمرأة من رحم الألمWhere stories live. Discover now