~الفصـــــــــــل الثاني~

140 7 1
                                    

إمرأة من رحم الألم~ 

الفصـــــــــــل الثاني

فتح السائق باب السيارة الفارهة السوداء إلي السيدة الجميلة "نوال قدري" سيدة مجتمع، شقراء، رشيقة ومشوقة القوام،وجميلة وأنيقة، لون شعرها المصبوغ باللون الأصفر الفاقع وأناقتها الشديدة يجعلانها دائما محط أنظار من حولها رغم علامات كبر السن التي بدأت تظهر على ملامحها، وتسافر إلى الخارج دائما لمعالجتها وإخفائها بأحدث وسائل التجميل، فهي تهتم بالأمر أكثر من نجمات السينما، وها هي قد عادت من جولتها المعتادة ،ووجدت السيارة والسائق في انتظارها في مطار القاهرة، تناول الحقيبة من الناقل الخاص بالحقائب ووضعها بصندوق السيارة ثم أسرع في خطاه ليجلس خلف المقود، ثم هتف بنبرة رسمية:

-علي بيت المعادي يا مدام "نوال"؟

هزت رأسها باعتراض وهو تضع نظاراتها الداكنة علي عينيها:

-لا أطلع علي المستشفي!

أمسكت بهاتفها المحمول تضغط بعض الأزرار ثم قربته من أذنها، اتصلت على "عيسي" عدة مرات لكنه لم يجبها، فعادت تضع الهاتف في حقيبتها وهي تتمتم محدثة نفسها بضيق:

-أكيد مع وحده من اللي بيعمل معاهم علاقاته القذرة!

أمسكت بمرآة صغيرة وأخذت تطمئن على جمال بشرتها وشعرها وهي تقول للسائق بتعالي:

-بسرعة يا "حسن" لسه بعد مشوار المستشفي عندي معرض في النادي!

رد عليها "حسن" قائلًا وهو يُزيد من سرعته:

-أمرك يا نوال هانم

وبعد نصف ساعة وصلت السيارة إمام المستشفى وهبطت منها الجميلة المتصابية "نوال".

...............................

حينما كان يقف كلا من "حمزة" و"أصال" يقفان مع اثنين من الأطباء أمام حجرة "جلال" ومدير المستشفى شخصي، كان المدير يطمئن بنفسه على حالة "جلال"مع الطبيبين الآخرين، فقال الطبيب بطريقة رسمية:

-مفيش خطر علي حالته ضغط عالي شوية، إحنا ادناله حقنه شوية ويفوق.

هتف "أصال" بنبرة متسائلة:

-طب ممكن يخرج يا دكتور أمتي؟

التفت إليها وهو يرسم علي ثغره ابتسامة مطمئنة:

-ممكن يخرج أول ما يفوق يا هانم، بس محتاج راحة وأبعدوه عن أي ضغط نفسي وضغوط الشغل!

-متقلقش يا دكتور أنا ههتم بيه بنفسي!

التفت مدير المستشفي نحو صاحبة العبارة حيث كانت "نوال" قادمة نحوهم في خطوات هادئة واثقة كعادتها، وعلى وجهها الجميل ابتسامة خبيثة فاستدارت إليها "أصال" ورفعت أحدي حاجبيها وهي تقول بتهكم:

-"نوال" هانم جميلة الجميلات، جاية بنفسها!

نظرت إليها "نوال" باستخفاف ثم التفتت إلى مدير المستشفى الذي رحب بها بشدة قبل أن يستأذن هو والطبيبان ويتركونها بفردها معهم، هتفت "حمزة" بعد رحيلهم قائلًا:

-حمدا لله على سلامتك يا "نوال" هانم.

نظرت إليه باستعلاء وكأنه يعمل عندها، وليس أبن زوجها وابتسمت قائلة:

-قولي صحة باباك عاملة إيه دلوقت؟

كان يعلم "حمزة" أنها تريد استفزازه فابتسم ببرود ، بينما هتفت "أصال" ببرود:

-كويس الحمد الله، وهيفضل بخير لو رحمتيه!

ظهر الغضب على ملامحها وتحولت نظرتها إليها إلى الاحتقار وهي تقول:

- عمرك ما هتتغيري هتفضلي زى أمك!

ضحك "حمزة" ضحكة عاليه مستفزة ثم نظر إليها بتحد وهو يقول بتهكم واستفزاز:

-لولا أنك مرات أبويا كنت قولت لناس كلها أيام النايت كيلب!

نظرت إليه من اعلي إلي أسفل باحتقار قائلة:

-وقح

ابتسم "حمزة" ببرود واحني رأسه قليلاً وهو يتابعها وهي متوجهة نحو باب الغرفة قائلاً:

-ميرسي يا هانم.

ظلت تنظر إليهما باحتقار وضيق حتى فتحت باب الحجرة فهتفت "أصال" قائلًا:

-ياريت متطوليش ده أوامر الدكتور!

كانت تعلم أنها تكذب لكنها لم تريد أن تشن حرب بينهما، فهي تفضل الطعن من وراء الظهر كالجبناء.

...............................

كان "جلال" يرقد على فراش في عالم أخر حينما دخلت عليه "نوال"، أفاق تدريجيا حتى أستعاد وعيه، فالتفت نحوها ونظر إليها بتساؤل بينما تقدمت هي نحوه وعلى وجهها ابتسامة حانية مصطنعة ومن داخلها تتمني لو تنقض عليه تقبض روحه، فتحت ذراعيها وهي تقول بلهفة وقلق مصطنعان:

-سلامتك الف سلامة يا حبيبي يارتني كنت مكانك يا....

لم تكمل عبارتها عندما أشار إليها بكفه لتتوقف عن تمثيلها وسألها بصرامة:

-نوال جيتي ليه؟

مطت شفتيها في ضيق ثم قالت بعتاب:

-ده سؤال برضه يا حبيبي تبقا تعبان ومش أجي أزورك!

ثم جلست على الكرسي الذي خلفها وهي تتابع قائلة:

-الخلاف اللي بنا مش يمنع أني أزورك أنت جوزي وأبو أبني!

الوي ثغره باستخفاف وهو يهتف قائلًا بتهكم:

-أبنك!.. أبنك اللي سبتيه في شقة المعادي لوحده مع الخادمة وسافرتي!

غمزت بعينها في تخابث قائلة بصوت منخفض قليلاً:

-سافرت عشان أبقا حلوة في عينك وعينك مش تبص بره زى قبل كده!

نظر إليها "جلال" بغضب قائلاً:

-اللي تاخد راجل من علي مراته، في ست تانية تاخده برضه!

قالت "نوال" في استنكار وغضب:

-متضربتكش علي أيدك يا حبيبي أنت اللي جريت ورايا زمان!

اعتدل "جلال" في جلسته أكثر وقال لها بعصبية:

-كرهتك وكرهت ذكرياتي معاكي، أنتي مش هنا عشان تطمني عليا، أنتي هنا عشان تطمني هكتبلك إيه لو مت!

لم تستطع أن تخفى الحنق في ملامحها وهي تقول بصوت مختنق:

-أفتكرت أن المرض هيغيرك بس عمرك ما هتتغير، ضميرك هيفضل طول عمره ميت!

صرخ "جلال" بعصبية وانفعال:

-ضميري ميت لما لميتك من الشارع واتجوزتك، عملتك سعر وسط الناس حققتلك أحلام عمرك ما كنتي هتحلمي بيها، خونتك مع مراتي وأجوزتك عليها ، مقدرتيش كل ده وطمعانة في فلوس عايزة تاخديها كلها لحسابك لوحدك!

ملت من أهانته لها وكأنه قديس لا يفعل شيء، هبت واقفة وهي تقول بغضب وعصبية:

-وأنت مغلتيش صح، طول الوقت تعاملني علي أني عاهرة وبس.

انهمرت من عيناها الدموع وهي تراجع شريط ذكرياتها السيئة معه متابعة حديثها بمرارة:

- عملت معايا علاقة زمان ولما حملت ضربتني وكنت هتسقطني، ومجوزتنيش غير لما هددتك أني هفضحك، كل ده حقي يا جلال حق بهدلتي معاك!

أغرقت الدموع وجهها وهي تنطق جملتها الأخيرة مشيرة إليه بسبابتها وفي عينيها الباكيتين كراهية الدنيا كلها له بعد أن سلب منها كل شيء، ظهر الغضب الشديد على وجهه وهو يقول:

- أرجعي عن اللي في دماغك يا نوال أحسنلك!

مسحت دموعها بعصبية وهي تقول بغضب:

-لو رجعت عنه هتأمن مستقبل أبنك من أخواته!

قال "جلال" بصرامة وقد اطل الحقد من عينيه:

- أنا لسه عايش يا نوال، لسه عايش ، أخواته أنضف من أمه عمرهم ما هياكلوا حقه!، وأبنك مش هياخد حاجة طول ما أنتي عايشه!

نظرت إليه "نوال" غير مصدقة كم الحقد الذي بداخله تجاهها وهي تقول:

-ليه كل الحقد اللي في قلبك ده، عايزني أموت عشان تدي لأبنك حقه، عملتلك إيه عشان ده كله!

أشار إليها بيده محذرا وهو يقول بتوعد بعد أن ظهر علي ملامح وجهه التعب والأرهاق الشديد :

ِ- يا نوال.. حسابك هيبقا عسير لو مش رجعتي بيتك وكل الخرافات اللي في دماغك ده لو منتهيش!

ظهر القلق على وجهها حين قال ذلك ولكنها حاولت أن لا يظهر علي ملامحها وهي تقول بحده:

-حاضر يا جلال!

أخذت حقيبتها من على الكرسي بعصبية وتوجهت نحو باب الغرفة وقبل أن تغادر وقفت تنظر إليه في تحدي وهي تقول بتوعد مخاطبة نفسها:

-هنشوف مين اللي هيدفع التمن، وتبدأ بحبيبتك "أصال"!

#رانا_محمد

#روايات_يقلم_رانا_محمد

#إمرأة_من_رحم_الألم

إمرأة من رحم الألمWhere stories live. Discover now