~الفصـــــــــــل الخـــامـس~

39 4 0
                                    

الفصـــــــــــل الخـــامـس

كان يقف بعض الندلاء بالقرب من الأبواب لاستقبال الضيوف بتهذيب ولباقة كعادة الأماكن الراقية كالمطاعم والمناطق الترفيهية، فور أن لمح أحدهم الزائرين الجدد حتي بادر بفتح الباب الزجاجي والأشارة لهم بيده الأخري وهو ينحني قليلًا، تولي أخر يقف علي مسافة قريبة مهمة إيصالهم لطاولة شاغرة، وبنبرة رسمية بحتة، وتلك الابتسامة المدروسة تسأل النادل:
-في حجز قبل كدا يا فندم؟
أجابة "فارس" وهو يهز رأسه بسلب:
-لا مفيش
تابع النادل متسائلا:
-تمام يا فندم، حضراتكم تحبوا تقعدوا هنا ولا علي البحر؟
أجابه بتردد وهو ينظر إلي "أصال":
-علي البحر ممكن.
هزت رأسها في استحسان وهي تعقب عليه:
-يكون أحسن.
ثم أشار بيده للنادل آمرًا إياه:
-هنقعد هناك.
هز النادل رأسه ممتثلًا له، وجعل من خطواته ليبحث بشرفة المطعم الواحده تناسب زبائنه، وجد ضالته المنشودة في إحدي الزوايا، اتجه نحوها وهو يقول مبتسمًا:
-لحظات والمنيو هيكون مع حضرتكم.
نظر "فارس" إليها نظرات مطولة يتأمل ملامحها البسيطة غير متكلفة، أغتصب الصمت السائد بينهم حينما عاد النادل ومعه قوائم الطعام وأسندها علي المائدة منتظر اختيارهم النهائي علي بضعه خطوات منهم، بينما ظل "فارس" محدق في عينيها ثم سألها بلباقة:
-تحبي تكلي إيه؟
وضعت يدها أسفل ذقنها وهي تتدعي التفكير، ثم ابتسمت ابتسامة عفوية وهي تقول:
-امم أكل بيتزا بالفراخ
وقف النادل يتلقي الطلبات وتدوينها بينما زوج عينيه تختلس النظرات من الحين لأخر لتلك التي تربعت عرش قلبه بدون سابق إنذار.
.......
وقف "عيسي" بسيارته أمام واجهة المطعم، يأكل بنظراته السيارتان المصفوفتان أمام المطعم، ولهيب الحقد يأكل جسده قطعًا قطعًا،
ضرب مقود السيارة بكل شر يكبح بداخله وهو يهتف بعنف:
-وبعدين بقا في المقدر اللي طلع جديد ده!
خطر في عقله مخطط دنئ كي يفسد عليهما أسعد لحظاتهم، ولج من سيارته واندفع بغضب محموم تصاعد في رأسه إلي داخل المطعم، وجاب بعينيه المكان كالصقر وحينما لمحهم جز علي أسنانه بقوة وهو يحاول السيطرة علي التشوش الذي أصابه، اندفع نحوهم بالغيرة الحاقدة في قلبه التي أعمت بصيرته.
رنت ضحكتها التي أسرته وهي تهتف بمرح علي غير عادتها:
-أنت بجد بضحكني أوي...
قاطع جملتها ظهور "عيسي" المفاجئ ، بينما انتهبا كلاهما لذلك الشخص الذي تطفل عليهم؛ هبت "أصال" من مكانها وهي تهتف بحده:
-أنت إي اللي جابك هنا؟
رسم تلك الابتسامة الزائفة علي وجهه وهو يتسال بخبث ونظراته يغلفها ذلك الوميض الغامض عله يستدرجها فتخبره بما يؤكد أو ينفي ما يدور داخله بعلاقتها مع ذلك الشاب:
-معرفتينش ياحبيبتي مين ده؟
لم تحبذ أسلوب "عيسي" في فرض شخصه عليها، ولم تطيق لفظ 'حبيبتي' علي لسانه، قطبت جبينها متسائلة بوجوم مستنكر:
-أفندم، حبيبتك؟
تابع حديثه وعيناه تتأملان تعبيراتها:
-آه حبيبتي بفرض أنك عن قريب هتكوني خطيبتي.
فهمت تلميحه المتواري خلف تلك الكلمة، تقلص وجهها وردت بحده طفيفة قاصدة إحراجه:
-بقولك إي لما أبقا خطيبتك قول اللي أنت عايزه، بس ده هيبقا في أحلامك وبس!
رد عليها بعبوس زائف أحتل قسمات وجهه:
-تؤتؤ كده أزعل يا صولا، أنا مفيش حاجة بحلمها غير ما أحققها!
تحمل "فارس" علي نفسه ونهض عن جلسته ليمد يده يصافح "عيسي" مرددًا بفخر:
-أنا المهندس "فارس" أتشرفت بمعرفتك يا..
ثم أضاف يسأله بتهذيب وبرود قاصد إحراجه:
-قولتلي أسمك إي؟، أصل دخلت علينا زي القدر المستعجل ملحقتيش أتعرف عليك!
لم يجيبه أو ألتفت له وظلت نظراته النارية مرتكزة علي "أصال" التي وضعت يدها علي فمها وهي تكتم ضحكتها فباغتها متسائلًا دون تمهيد:
-إي عجبتك ولا حاجة؟
أجابته بتهكم:
-أضحك براحتي!
زفر "فارس" بضيق وهو يرد بوجوم:
-واضح أنك مش شايفيي أو مضايق من قاعدتي مع المهندسة.
ثم تابع حديثة بشئ من الوقاحة وهو يشير بيده:
-وعشان مزعلكش أقعد أنت كل بيتزا فراخ، وأنا و المهندسة هنسبلك المطعم وناكل في مكان تاني خالص!
نظرت في عين "عيسي" قائلة بثبات:
-أفضل حل يالا!
لم يمضي عليه أكثر من ثواني ليستوعب الأمر خاصة مع ابتسامتها التي زات من استفزازه، غلت الدماء في عروقة واندفعت بقوة إي جميع خلايا جسده تحفزه علي الانقضاض عليهم دون إبداء ذرة دم وحده، قبض علي كأس الماء الموضوع علي الطاولة وألقي بيها علي الأرضية الرخامية في عصبية مفرطة.

.....................

خرجت "أصال" من المطعم محاولة كتم ضحكتها، بينما ظل "فارس" ينظر إليها بإستغراب فهتف يسألها بوجوم مستنكر:
-أنا نفسي أفهم إي اللي بيضحك دلوقت؟
أجابته بحماس وعفوية:
-أصل أنت كسفته جامد أوي!
نظرت إليها بطرف عينيه وهو يسألها مرة أخري:
-هو مين ده أصلا وعايز منك إيه ؟
تقلصت ملامح وجهها ففهم علي الفور عدم تحبذها تطفله علي حياتها الشخصية، تنحنح معتذرًا منها:
-آحم أنا أسف لو تدخلت في حياتك الشخصية!
-لا شخصية ولا حاجة أنا أصلا معرفهوش!
هتف بتعجب:
-نعم!
ردت عليه بعد تفكير سريع:
-قصدي يعني معرفتي بيه سطحية جدًا؛ مجرد أبن عمي بس مصمم يجوزني!
أكتف بإيماءة خفيفة بعد توضيحها بعلاقتها بتلك المتطفل، فسألته بتهذيب:
-مش هنمشي؟
لم يستطيع الثبات أمام عينيها أكثر من ذلك، حاول أن لا ينساق وراء رغبته، ولكن قلبه لم يترك له مجال المقاومة، فهتف بحماس زائد:
-أنا بحبك يا "أصال"

تتبع>>>>>

 

#رانا_محمد

#روايات_يقلم_رانا_محمد

#إمرأة_من_رحم_الألم

إمرأة من رحم الألمWhere stories live. Discover now