~الفصـــــــــــل الرابع~

118 8 6
                                    

الفصـــــــــــل الـــرابع

سارت "أصال" ببطء نحو غرفتها وهي تفكر في حالة والدها الصحية، فأغتصب تفكيرها فجأة ذلك الشاب الذي تعامل معها ببربرية صباحًا، وكيف سترد له الصاع الثاني، أفاقت من شرودها علي اهتزاز هاتفها المحمول في جيب بنطالها، أخرجته تنظر إلي شاشته التي أضاءت أيقوناته رقم غير معروف، شعرت بانقباض قلبها رغم أنها لم تجب بعد، ضغطت زر الإجابة وهي تهتف قائلة:

-ألو!

قبض علي جفونه بشده، لم يتوقع أن تُجيب عن اتصاله، تملك أعصابه التي أنفرط زمامها عندما أستمع إلي صوتها العذب ، وأجابها بتلعثم قائلًا:

-آآ مهندسة آآ أصال، آآ أنا فارس آآ المهندس فارس!

اتسعت مقلتيها في عدم تصديق، وشعرت بتسارع ضربات قلبها بشده، غلفهم الصمت للحظات تلاشت تفكيرها في الانتقام، تسرب إلي قبلها بسهولة كالمياه التي تروي أرض بور، ولكن أفاقت علي صوته الذي أخترق قلبها قبل أذنها وهو يهتف قائلًا بنبرة متسائلة:

-أصال هانم حضرتك معايا؟

أمسكت أحدي خصلات شعرها البنية التي ورثتها عن والدتها "داليدا" وهي ترد بسؤال صريح بنبرة تضمن في طياتها أهانه خفيفة:

-بتتصل ليه، ولا عايز تكمل اللي حصل فيك الصبح!

استثارت أعصابه علي الفور من أهانتها المستمرة لشخصه والتقليل بيه، ولكن تمالك نفسك حتى لا يخسر وظيفته، بينما تابعت حديثها ببرود وهي تقول بنبرة متسائلة:

-وجبت رقمي منين؟

زفر في نفاذ صبر من أسلوبها البربري معه، لكنه تحمل علي نفسه وهو يجيبها موضحًا:

-أولًا جبت رقم حضرتك من نيرة، ثانيًا أنا بكلم حضرتك عشان موضوع مهم جدًا!

عقدت ما بين حاجبيها في استغراب وهي تنظر في ساعة يدها، ثم هتفت بنبرة متسائلة وهي تضع يديها في خصرها:

-وهي الحاجة المهمة ده الساعة 10 بليل، متنفعش بكرة الصبح في الشركة!

مرر أصابع يده بين خصلات شعره الأسود الكثيف، ثم فرك مؤخرة رأسه في إحراج شديد، هو لا يعلم لماذا أتصل بها، شعر بالحيرة الشديدة في رده عليها، لكنه خرج من حيرته حينما تذكر شيء ذهب عن تفكيره بسبب أسلوبها الفظ معه، فهتف مرددًا:

-أنا تحت القصر يا أصال هانم!

ثم تابع حديثه بلجة أمره:

-تقدري تنزلي دلوقت؟!

هبت واقفة بعد أن جلست علي طرف فراشها وهي تسأله غير مصدقة:

-إيه أنت تحت؟!

هز رأسه بإيجاب وهو يُعاود سؤاله مرة أخري:

-آه!، تقدري تنزلي دلوقت؟!

ارتسم علي ثغرها ابتسامة صغيرة وهي تشير بأصبعيها السبابة والوسطي:

-دقيقتين وهكون عندك!

أغلقت الهاتف وتوجهت سريعًا نحو الدرج الرخامي، ألقت نظرة علي غرفة والدها وهي تحاول إيجاد المبررات الواهية لنفسها لتريح علقها من التفكير في الأمر، ضغطت بأسنانها علي أصبع يديها وهي تبحث عن أسباب تدفعها لنزول له، كتفت ساعديها أماما صدرها، وكأنها وجدت المنفذ لأحاسيسها:

-هو جاي عشان حاجة مهمة هعرفها وخلاص ، مكبرة الموضوع ليه ياصولا أنزلي!

هبطت الدرج بسرعة بالغة حتى كادت أن تتعثر في طريقها، كذبت جوع عينيها التي تريد إشباعه برؤيته، وعندما وصلت أمام البوابة الرئيسية التابعة للقصر، فتحتها بتمهل وتعدت الأعتاب الكبيرة التي تفصل بينهما، وجدته واقفًا بسيارته الصغيرة أمام القصر مباشرةً، ركبت السيارة ونظر إليه وهتفت في حدة:

-أنت أزاي تيجي هنا في وقت زي ده؟!

لم يكترث إلي حديثها حيث لفت انتباهه ملابسها المنزلية، حدق في كنزتها التي كشفت عن عنقها الطويل وذراعيها وكتفها، فامتعضت وقست ملامح وجهه فجأة وهو يسألها بخشونة:

-حضرتك أزاي تنزلي كده؟

أصابها الحرج الشديد بعد أن أعلمت أنها بملابسها المنزلية، ورؤيته لها بهذا الوضع المحرج، ولكن جبروتها جعلها تلاشي ذلك الإحساس وتهتف بحده:

-وأنت مالك كنت وولي أمري وأنا معرفش!

صاعقته ردها البارد وعدم اكتراثها بتلك التفاصيل الصغيرة، ضغط علي مقود السيارة بضيق من تقلقيها بشخصه، ألتفت إلي الجهة الأخرى وهو يتحاشى النظر إليها، مرددًا بنفاذ صير:

-فعلا عندك حق، علي العموم أنا جيت هنا عشان أقولك أنا أسف علي طريقتي معاكي الصبح في المكتب!

أخذ نفس مطولًا وهو يتابع حديثه قائلًا بهدوء مريب:

-أنا مكنتيش أعرف أنك أخت المهندس "حمزة" ، وحضرتك مقولتيش صلتك بيه إيه من الأول، لو كنتي قولتي من الأول مكنش كل ده حصل بنا من أول يوم أشوفك فيه!

أفقدها الإحساس من حولها، ذابت فيه من حالته بين الشدة واللين، نظرت إليه وهي تتأمل ملامحه وتحفظها جيدًا في قلبها قبل عقلها، تمنت أن تخترق ضلوعه وتُسجن داخلها للأبد، ويكون قلبه قيودها، أفاقت من شرودها وهو يضع أمامها علبه متوسطة الحجم ذات لون أحمر قاتم، ويحوطها شريط من الحرير لونه أسود، ويهتف مرددًا بحرج شديد من رد فعلها:

-وده حاجة بسيطة!

نظرت إليه في استغراب وهي تسأله:

-إيه ده؟

أجابها بتوتر وهو يتحاشى النظر إليها:

-هديه بسيطة أن شاء الله تعجبك أوي.

ثم أضاف قائلا بتمني:

-وتكون صفحة جديدة بنا!

تفاجأت من أحضارة لهدية رغم بغضه لها، أخذتها بيد مرتعشة وهي تحدق فيه بعدم تصديق، أفعاله الصادقة جعلتها في حالة صدمة، كيف لإنسان التنازل عن كل شيء من أجل السلام النفسي، هتفت قائلة:

-أنت بتكلم جد ولا ......

قاطع حديثها قائلًا وهو يتأمل حدقتها البنية:

-عينيك حلوة أوي عفكرة!

"كذب!، أنا لا أتوتر عندما أراك، من قال هذا؟!

حسنا ربما أشعر بارتفاع حرارتي فقط، وأسمع أحيانا خفقات قلبي المتسرعة تنطق باسمك، ويربط لساني فلا أستطيع قول كلمة واحدة، لكن صدقني أنا لا أتوتر عندما أرك، أنا أذوب!"

.................................

ألقي ذلك العجوز الجالس بأحدي الأندية الخاصة بالمجتمع المخملي هاتفه المحمول علي الطاولة الموضوعة أمامه بعد قراءته البريد الإلكتروني الخاص به ، حدث نفسه بحنق وقد احتقنت بشرته:

-لعبة رخيصة بنها وبين جوزها أنا مالي، أنا اللي يهمني فلوسي وشغلي!

أستمع إلي رنين هاتفه المحمول، اتصال كان ينتظره علي أحر من الجمر، أمسك بهاتفه وضغط زر الإجابة دون تفكير حينما نظر إلي شاشته التي أضأت باسم "حمزة"، لو يعطيه فرصة للحديث حيث هتف قائلا:

-البضاعة "عيسي" سلمها و دلوقت معاه الفلوس يا عصمت!

إعلان أسارير "عصمت" من ذلك الخبر السار، وهتف قائلا:

-كويس جدا جهزوا نفسكم بقا، عشان العملية الجديدة بعد شهر!

.................................

كانت الساعة قد أشرفت الثامنة صباحً حينما فتحت"أصال"عينيها في إرهاق كانت "نجلاء" تربت علي كتفها وهي تقول في إشفاق علي حالتها:

-قومي يا حبيبتي نامي في أوضتك بدل النومة اللي تقصف العمر ده!

انتبهت إلي جملتها الأخيرة وهي تنظر حولها في قلق، وجدت نفسها ترقد علي الأريكة و وجدت العلبة علي الكرسي الكبير المقابل لها، فسألت "نجلاء" في دهشة:

-هي الساعة كام دلوقت؟

ابتسمت "نجلاء" وهي تقول في حنان:

-الساعة 9!

ثم تابعت حديثها بنبرة متسائلة وهي تنظر إليها باستغراب:

-أنتي إيه نيمك هناك؟، وإيه العلبة ده؟

تأملت "أصال" العلبة التي تحمل قطع الشوكولاتة التي تناولت نصف ما فيها ليلة أمس، وكيف ذابت في العشق كمكعب السكر في فنجان القهوة، ثم همست لها بغموض:

-فارس!

-اا...

همت "نجلاء" أن تتحدث لكن قاطعها صوت جرس الباب، اعتدلت "أصال" في جلستها مرددة بلهجة آمرة:

-أفتحي الباب يا نوجي لما نشوف مين جاي في الوقت ده!

هزت "نجلاء" رأسها في إيجاب وهي تسرع في خُطها نحو الباب تفتحه، بينما نهضت " أصال" وجلست علي طرف المنضدة الموضوعة مقابل الكرسي الكبير تتأمل العلبة الكرتونية في أعجاب شديد،شعرت أنها خلقت لها حياة جديدة حينما جاء، أفاقت من شرودها علي صوت " نجلاء" المرتفع وهي تهتف قائلة بترحيب:

-حمد الله علي سلمتك يا "نوال" هانم، نورتي بيتك!

-دخل الشنط يا حسن !

قالتها "نوال" بضيق وهي تنظر إلي "نجلاء" بازدراء، فهي لا تحبها ودائما ما تعاملها بجفاف هي وزوجها "حسن" وأبنتهم "هدير" ودائما ما تقلل من شئنهم كي تغضب "أصال"،

-إيه جابك تاني أحنا ما صدقنا أنك مشيتي!

قالتها "أصال" باستنكار وهي تنظر إليها بخنق ؛ فأجابتها "نوال" في تأثر وامتنان مصطنع كالحية الرقطاء:

-مش عارفة أشكرك أزاي علي الترحيب ده، أكيد هيتردلك!

ثم أضافت وهي تنظر إلي "حسن" الذي يقف بجوارها مردد بلهجة آمره:

-طلع الشنط علي أوضتي و..!

قاطعتها "أصال "مستنكرة في حده:

-الكام يوم اللي عيشتهم بره البيت نستك أن عم حسن السواق وبس!

كانت "أصال" وقحة معها في قولها الأخير؛ وكأنها تطردها دون أي مقدمات، انفرجت شفتيها بحرج كبير وشعرت بغصة قوية تؤلم صدرها وكأنها شخص منبوذ وجودها مفروض علي أصحاب ذلك المنزل، بينما أشاحت "أصال" وجهها عنها متعمدة تجاهلها لتزيد من إحساسها بالمهانة والوحدة مرددة بقسوة:

-إي حد شغال هنا شغال ليا أنا وبابي، وحمزة بس!

استعادت سريعًا "نوال" ثباتها أمامها، وضعت يدها في منتصف خصرها، وقد عادت ابتسامتها المريبة تظهر علي صفحة وجهها:

-أوكي وأنا هجيب ليا الخدم بسيطة!

ثم توجهت إلي الدرج فحدقت في العلبة الموضوعة علي الكرسي الكبير، ألتفتت إليهم وهي تزوي بحاجبها قائلة بثقة بثت في "أصال" القلق:

-حلوة البوكس ده يا "أصال" هانم!

تسمر كلا من "حسن" و "نجلاء" في مكانهم رافضين التدخل بينهم؛ بينما نظرت إليهم "نوال" باستنكار وهي تقول بحده:

-بنتكم جاية مع "يحيي "في العربية اللي ورايا توصل مش تقرب من أبني تاني جتكم القرف.
................

ولجت "نوال" غرفة نومها لتصدم برؤية "جلال" الذي وقف عن جلسته علي طرف الفراش منتظر قدومها علي أحر من الجمر، لاحظت لهفته إليها فاقتربت منه مطوقة ساعديها حول عنقه كالحية التي تحاوط فريسها قبل أن لدغها بسمها القاتل، نظرت له في حزن زائف قائلة بمكر:
-عشان تعرف أنا بحبك قد إيه نسيت كل اللي قولتها وجيتلك!
رد زوجها محذرًا:
-كويس أنك فكرتي صح، أتمني مش تكرر تاني.
هزت رأسها بالإيجاب قائلة:
-أكيد ، أنا فهمت كل حاجة.
ركز "جلال" أنتظره معها فأكملت حديثها بحزنٍ ملموس في صوتها:
-فهمت أني أنانية وأن عمرك ما هتظلم أبني بدليل أنك كتبته باسمك زمان وأعترفت بيه، بس كنت فاكرة أن ممكن أخواته يظلموا، لو بعد حصلك حاجة هضيع أنا وأبنك!
سقط في فخها كالفريسة سهلة المنال!، وصدق طلاسم سحرها التي روتها للتو، ارتفع حاجبه للأعلي كتعبير عن أندهاشه بإفصاحها عمل خبأته في قلبها، بقيت تعبيراتها هادئة وهي تسترسل موضحة:
-أنا مش ناسية أي حاجة عملتها عشاني أنا وأبنك بس صدقني لما قولتلك اكتب نصيبه بأسمه عشان أحافظ عليه من أي شر ياجلال!
سألها بإستغراب
-شر إيه اللي عايزة تحافظي طفل عنده 15سنة؟
أجابته "نوال" ببساطة:
-شر النفوس اللي ممكن تدمر إي حاجة تقف قدام نارها...
..........

ضغط "فارس" زر الإيجاب علي الاتصال الذي أضاء شاشة هاتفه وهو يدور حول مقعده خلف مكتبه، ويجذبه للخلف قليلًا قبل أن يحتله بجسده العريض، أستند بساعديه علي سطح المكتب ليسأل المتصل مستفهمًا:

-إيه أخبار حضرتك يا هانم؟

أجابته بتهجم وقد اكتست تعبيرها بعلامات من اليأس:

-ملكش دعوة بصحتي، نفذت اللي اتفقنا عليه يا فارس!

حك مقدمة رأسه ليرد بتردد:

-حضرتك هي لسه عرفاني أمبارح، بس أكدلك خلال أسبوعين هتكون خاتم في صباعي.

في هذه الأثناء ولجت "أصال" إلي داخل المكتب وكانت طلتها كملكات الجمال الواثقة بأن جملها سيفوز تاج "ملكة الجمال"، تمتلك ثقة وقوة لا يستطيع رجل أن يقف أمامها، لم تعطي له اهتمام رغم إعجابها الشديد بشخصيته الغير معتادة بنسبة لها، حينما أضطر أن يغلق الاتصال مع دخول "أصال" المكتب وهو يهتف قائلًا بتوتر جلي:

-تمام نكمل كلمنا بعدين، سلام!

أغراه تحديقها وتركيزها في حاسوبها الخاص، شعر بشيء ما يؤجج حواسه ويحركه نحوها، تأمل ملامحها البسيطة الغير متكلفة وهو مٌتلذذًا بذلك الإحساس الغريب الذي عصف بكيانه، ألحت عليه رغبه مثيرة بدخله لتذوق معني الحب بجانبها، أيعقل أن يكون أحبها بتلك السرعة، ولما لا!، الحب يعصف علي صاحبه مثل العاصفة في ليلة شتاء،
أثارت فضوله واهتمامه، لم تكن بالفتاة المدللة، بل كانت تعاني مثله الوحدة والاشتياق إلي والدتها التي تركتها وحيدة تعاني ألم الفراق والبعد، أراد أن يهون عليها ألمها، ولكن كيف سيفعل ذلك؟، هي لن تسمح له، هي تظنه المهندس البربري الذي جرح كرامتها مع أول لقاء لهما.

قاطع "فارس" تركيزها ليسألها مستفهمًا:

-وراكي حاجة بعد الشغل؟

زوي ما بين حاجبيها وتجيبه بسؤال أخر:

-ليه؟

أجابها بحذر وتردد ظهر في نبرة صوته :

-هعزمك علي الغدا بعد الشغل.

ردت عليه بتهكم لتسأله:

-وده بمناسبة إيه؟

أجابها بنفس اللهجة الحذرة وكأنه يزن كلماته قبل إن تخرج من فمه:

-أحنا بقينا زمايل في شغل ممكن يقعد شهر وأكتر لازم علي الأقل نكون متفاهمين في التفكير عشان المشروع ينجح!

أقنعت بحديثه الأخير فهزت رأسها بإيجاب وهو تقول:

-okay!

#رانا_محمد

#روايات_يقلم_رانا_محمد

#إمرأة_من_رحم_الألم

إمرأة من رحم الألمDonde viven las historias. Descúbrelo ahora