الفصل الأول

4K 80 11
                                    


" إلى متى ستظل العدالة غافلة عنهم، مرتدية نظارات سوداء تمنعها رؤية الحقيقة، و المظلوم ضعيف مغلوب على أمره، يرضخ ولا يجد سند له، مجبر على تقبل الظلم
يعثون فى الارض فسادا ووحده المظلوم من يدفع الثمن، متى تنقرض تلك النماذج من مجتمعنا، ليأتي اليوم الذي تتحقق فيه العدالة، و أقصد هنا العدالة الحقيقية التى تنصر المظلوم وتعاقب الظالم دون النظر لأي اعتبارات أخرى، دون وساطة، دون محسوبية.
نون "

هكذا أنهت مقالها، لاتعرف عدده فقد أرهقها العد، كثيرا ما كتبت عن الفساد الذى تفشى فى المجتمع، ولكن دون فائدة، دائما ما تصل إلى نفس النتيجة، من له سلطة ونفوذ دائما هو الرابح ولا يهم إن كان هو الظالم أم المظلوم، فالعدالة عمياء بل إنها أصبحت دمية يتلاعب بها ذوى السلطات
زفرت بقوة تفكر فى مصير مقالها، هل سيقبل به رئيسها أم سينهرها خوفا عليها كما يدعى، يكمن ضيقها فى أنها رضخت لرغبته الأخيرة بعدم التصريح بأسماء من تهاجمهم ويكفى أن تشير إليهم من بعيد، مجرد رموز وهم عليهم الفهم عملا بمقولة "اللي على راسه بطحة"
ولكنهم يتصنعون البلاهة حتى لا يُكشف أمرهم وهنا لا يضيع سوى حق المظلوم، ويا للسخرية فهى أيضا تتخفى بقلمها مُختصرة توقيعها " نون"، أهو رضوخاً لرغبة والديها لخوفهم عليها أم أنها تخشى هى أيضا، ولكن ما الذى تخشاه.. فقدان عملها أم فقدان حياتها؟ نفضت كل تلك الافكار من رأسها، ما يهم الآن هو سعيها لنُصرة الضعيف والسعى جاهدة لتحقيق العدالة، ويوما ما تعلنها صراحة للجميع ( قلم نيرة نصار لا يخشى أحد)

طرقت الباب ودلفت إلى داخل غرفة مكتبه تقابلها نظراته المختلطة ما بين ترقب وخوف، خوفه عليها والتى تراه لا داعى له أم خوفه على مستقبل جريدته، ألقت التحية : صباح الخير يا ريس
ليردها بفتور المعتاد على الأمر : صباح النور يا نيرة
ناولته المقال راجية ربها أن يقبله كما هو دون أن يُطالبها بأي تعديلات، تناوله منها مُتفحصا إياه ليهز رأسه علامة رضا ولكنه ليس الرضا السامى، ليرفع رأسه إليها ليعلن ما يدور برأسه : انتى مذكرتيش أسماء فعلا بس واضح جدا مين المقصود بكلامك

أتنفجر به الآن أم تترك هذا الحل للنهاية، حاولت تهدئة انفعالاتها لتجيبه : يا فندم أنا نفذت رغبة حضرتك إني أحذف الأسماء، بس حضرتك كده بتلمح انى أحذف المقال من الأساس، ومش هقدر اعمل كده لانى مش هقدر اكتب غير اللى مقتنعة ومؤمنة به، وعمرى ما هتحيز لأي رمز فساد في البلد
قاطعها قائلا : أنا مقلتش تتحيزى، انا بقول بلاش اندفاع الشباب، دا خوف عليكى
إشتد بها الغضب ليأتى دورها لتقاطعه : حضرتك أنا مسئولة عن نفسى ومش خايفة لانى واخدة صف الحق، لكن لو حضرتك خايف يبقى أنا ممكن أقدم استقالتى واشوف اى جريدة تانية انشر فيها بحرية ومن غير خوف
ألقت ما يجيش به صدرها دفعة واحدة دون اعتبار لأى شئ، لم تنتبه إلى تماديها سوى عندما لاحظت الشرر يتطاير من عينيه مع خبطة يديه بعنف على المكتب أمامه ناهرا إياها : الزمى حدودك يا نيرة واعرفى انك بتكلمى رئيسك
الآن أدركت تسرعها، وتعترف أنها تمادت و تخطت حدودها، وكما تُحتم عليها أخلاقها فلابد من الاعتذار، هدأت نبرة صوتها معتذرة له : أنا آسفة يا أستاذ أحمد، أنا فعلا اتماديت، أنا كل هدفي اننا نقضى على الفساد في البلد لأنه انتشر عشان مافيش حد يقف قصاده، بس الظاهر اني نسيت إنه زى السرطان بيتملك من الجسم لحد ما يقضي عليه، عن اذنك

توجهت إلى المكتب لتأخذ مقالها لتلقى به فى سلة المهملات كما يفعل الفاسدين بالأخلاق، لكن أوقفها صوته وقد بدأ يستعيد بعضاً من هدوءه :
سيبى المقال يا نيرة واقعدى عايز أتكلم معاكى شويه

نون حائرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن