الفصل الخامس عشر

1.5K 54 1
                                    


انصر الحق، ينصرك الله… مبدأها الراسخ بذهنها، تطبقه بحياتها، دائما ما تقف بوجه الظلم، لا تهاب شئ، و لكن عندما يحوم الخطر حول عائلتها تشعر بالضعف… بقلة الحياة… بعدم قدرتها على التصرف
عائلتها هي نقطة ضعفها، عندما علمت أن والدها من سيدفع الثمن، شعرت بأنها على وشك الموت، فهي لا تريد أن تكون سببًا في إيذائهم
كل هذه الأفكار جالت بخاطرها، مع دمعة حبيسة فرت من عينيها، وجه شاحب، أنفاس متقطعة، فأن يقضي والدها ما تبقى من حياته خلف القضبان انتقامًا منها لن تتحمله، فالرسالة قد جاءتها واضحة وصريحة و الرقم مجهول " المرة دي قرصة ودن، شوفي مين هيصدق بعد كده صحفية باباها مرتشي"
احتضنها والدها، هاله منظرها و خوفها البادي بملامحها، ربت على ظهرها محاولًا تهدئتها : خلاص يا نيرة، اهدي يا حبيبتي، جات سليمة الحمد لله
رفعت وجهها إليه، تحدثه من بين دموعها و صوتها المختنق : انت مستهون باللى حصل يا بابا، إنت متخيل إني كنت أقدر أعيش بالذنب دا، إني أكون السبب في ضياع هيبتك و كرامتك، فاكر إني أقدر استحمل و أعيش مع حاجة زي دي
ربت (كمال) على وجنتها : و محصلش حاجة يا حبيبتي، الحمد لله إني واخد أجازة بقالي شهر، يعني قبل تاريخ البلاغ، يعني أنا مش هتضر فيها لأني مكنتش في الشركة بالوقت دا
مسحت (نيرة) دموعها بكفيها : ليه خبيت عني إنك أخدت اجازة من الشغل، مكنتش هقلق بالشكل دا
أمسك والدها بكفيها : مش عايز أكون الايد اللى توجعك، عايزك تواجهيهم من غير ما تكوني خايفة
سألته بتوجس : طب فيه كده موظف تاني هيتضر
ابتسم والدها بهدوء : متقلقيش، هما مش عايزين حد تاني يتأذى، هما كانو قاصديني أنا، بس لما يعرفو إن فيه محاسب تاني هو اللي مسك مكاني هيسحبو البلاغ ومش هيهتمو
أتت والدتها من الخارج، من زيارتها المعتادة لعمتها لتطمئن عليها و على أولاد (سلمى) رحمها الله، نظرت إليهم بريب : مالكم قاعدين كده ليه ؟
نظرت إلى ابنتها بخوف عندما رأت أثار بكاؤها على وجهها : مالك يا نيرة، انتي كنتي بتعيطي ؟
هزت (نيرة) رأسه نفيًا : مفيش يا ماما، كنت مخنوقة شويه بس من مشكلة في الشغل
استأذنت من والدتها هربًا من سيل الأسئلة التي ستسألها والدتها إياه
**********************************
منذ عودتها من الخارج وهي حبيسة غرفتها، تفكر في قرارها، توصلت إلى أنه الحل الأنسب، فليسمونه هربًا، و لكنها لا تهرب، هي تبحث عن مكان تبدأ فيه من جديد، لا يعلم أحد بشأنها ولا بشأن حادثها، أو ربما يكون هربًا حقًا، فهي تشعر بالضعف، لا تستطيع أن تقاوم مجتمع بأكمله
لم تتناول وجبة الغداء برفقة والديها، و تحججت برغبتها بالنوم، لم تقص عليهم ما حدث بالمشفى، ولا ذهابها لزيارة (أميرة)، و لكنها فكرت كثيرًا، و عزمت على تنفيذ قرارها
نادتها والدتها لتناول العَشاء، جلست معهم تتناول الطعام بلا شهية، كانت تفكر في الطريقة التي ستُخبرهم بها بقرارها، و توصلت إلى أن تُخبرهم به مباشرة دون مواربة، تركت ما بيدها من طعام : أنا قررت أسافر لخالو الإمارات
رفعت والدتها رأسها إليها لعلها قد تكون أخطأت الفهم، سألتها بتوجس : عايزة تسافري تغيري جو يعني ؟
هزت (نسمة) رأسها نفيًا : لا يا ماما، هستقر هناك
نظر إليها والدها بقلق : حصل حاجة يا نسمة؟ فيه حد ضايقك النهاردة في الشغل ؟
انتفضت واقفة : ايوه فيه، و كل يوم هيكون فيه، و أنا معنديش طاقة أتحمل كل دا و أواجه المجتمع كله، أنا خلاص قررت و مش هرجع في قراري، من بكره هبدأ في الإجراءات
أنهت جملتها و توجهت إلى غرفتها تاركة والديها يتملكهم الدهشة و الخوف، قررت والدتها مُهاتفة (أميرة) و اخبارها بالأمر ، لم تكد تمسك الهاتف حتى صدح صوت جرس الباب، توجه (منصور) لفتحه، طالعه (حازم) بهيئته الوسيمة، شعره الأسود و ذقنه المشذبة بعناية، تعلو وجهه ابتسامة هادئة، يحمل بيده علبة من الشيكولاتة و باقة زهور
رحب به (منصور) و دعاه للدخول، ألقت عليه (شمس) التحية ثم توجهت إلى المطبخ لتعد له كوبًا من العصير
لاحظ (حازم) الفتور في ترحيبهم، فخمَّن أن (نسمة) قد أخبرتهم بقرارها الذي أخبرت به (أميرة)، فور أن أخبرته (أميرة) بقرار (نسمة) ، قرر أن يتخذ خطوة يؤجلها منذ فترة، خطوة قد تجعلها تُحيد عن هذا القرار أو قد تجعلها تتمسك به أكثر
بعد أن تبادلا الحديث بمواضيع عامة لبعض الوقت، تنحنح (حازم) قائلًا بحرج : الحقيقة يا عمي أنا جاي النهارده عشان أطلب ايد دكتورة نسمة
تفاجأ (منصور) من طلبه، كما كان الحال بالنسبة ل (شمس) التي كانت على وشك دخول غرفة المعيشة حاملة صينية بها أكواب العصير
***************************
في اليوم التالي، جلس (حازم) برفقة (أميرة) بأحد الكافيهات، يبدو على وجهها الغضب، حانقة من تصرف (حازم)، تخشى أن يؤثر سلبًا على (نسمة)، نظرت إليه بعصبية : انت اتسرعت، اللى انت عملته دا ممكن يخلي كل اللى عملناه معاها الفترة اللى فاتت ولا له أي لزمة
حاول (حازم) السيطرة على انفعالاته أثناء حديثه معها : يا سلام، و قرارها إنها تسافر و تهرب دا مضيعش كل حاجة! ولا كنتي عايزاني استنى لما تسافر و أضيعها من ايدي!
زفرت (أميرة) بضيق : المشكلة إن التوقيت غلط، نسمة حاليًا مش مؤمنة بالحب، شيفاه كدبة، مش معترفة بأي مشاعر بين راجل و ست
نظر إليها (حازم) بعيون يملؤها الحزن : أنا مش عايزها تحبني دلوقتي يا أميرة، كل اللى أنا عايزه إنها متبعدش عني، مش هسمح إني أضيعها من أيدي و اقف اتفرج
رقت (أميرة) لحاله : خلاص بقى اللى حصل حصل، إحنا نستنى نشوف هي هتتصرف إزاى
هدأ (حازم) قليلًا : باباها قالي هياخد رأيها و يرد عليا في أقرب فرصة
تنهدت (أميرة) : إن شاء الله خير
*************************
تشاورا والدي (نسمة) طوال الليل بشأن طلب (حازم) الزواج من ابنتهم، فوالدها قد سأل عنه من قبل عندما أتي ب (أميرة) لمعالجة (نسمة)، علم الكثير عنه و تمنى شاب بأخلاقه زوجًا لابنته، و ها قد تحقق ما تمناه، ولكن الأمر مرهون الآن بموافقة (نسمة)، شعرا بأن مثل هذا الأمر قد يُثنيها عن قرار السفر، قررا اطلاعها بالأمر و يتركا لها حرية الاختيار
جلست أمامهما، تشعر بترددهما في التطرق لموضوع الحديث، خمنت أنه ربما يودان إقناعها بالعزوف عن السفر، فقررت أن تستلم دفة الحديث : لو الاجتماع دا بخصوص موضوع سفري، فدا قرار نهائي مش هرجع فيه، بس ممكن لما أسافر أغير رأيى و ارجع تاني، بس أنا حاليا عايزة أبعد عن كل حاجة
تبادلا والديها النظر، فقررت والدتها أن تُخبرها بالأمر مباشرة : انتي متقدملك عريس
فغرت (نسمة) فاها من للدهشة : نعم!
أكملت والدتها : اللى سمعتيه، الضيف اللى جه امبارح بالليل دا كان عريس جاي يتقدملك
تحدثت (نسمة) بعصبية : هو انتو مفكرين انكم كده هتجبروني أغير رأيي، و بعدين مين قال إني هتجوز أو هفكر في الموضوع من الأساس
تحدثت والدتها بعصبية : ليه! هتفضلي طول حياتك من غير جواز! هتعيشي بطولك كده
صرخت بها (نسمة) : أيوه هفضل كده، و عايزة أسافر عشان اخلصكم من همي، عشان ما اكونش حمل تقيل عليكم، عشان تنسو انكم خلفتو بنت من الأساس، عشان متفضلوش تفكرو إزاي تجوزوني و راجل يكسر عينكم عشان بنتكم……….
قاطعها والدها بصرامة : بس، كفاية كده، انتي شايفانا كده! شايفة اننا بنعتبرك حمل تقيل علينا! شايفانا وحشين للدرجة دي! إسمعي يا نسمة، أنا فاتحتك في موضوع العريس دا عشان شايفه إنسان شاري بجد، عارف اللي حصلك و الموضوع مش فارق معاه، جاي يتقدملك عشانك انتي و مش هامه أي حاجة تانية، بس أنا مش هجبرك على حاجة، اللي يريحك اعمليه، عايزة تقعدي معاه هبلغه، عايزة تسافري مش همنعك، بس إنك تحطي في تفكيرك اننا عايزين نخلص من حِملك فتبقي غلطانة، و ابقى للأسف معرفتش اربيكي
أجهشت (نسمة) بالبكاء، و ارتمت بأحضان والدها تعتذر له عما بدَر منها : حقك عليا يا بابا، أنا آسفة، بس أنا تعبانة، تعبانة يا بابا و مخنوقة من كل حاجة حواليا، مش قادرة استحمل اكتر من كده
احتضنها والدها بشدة، و حاول تهدئتها : اهدي يا حبيبتي، بقى انتي مفكرة إنك حمل تقيل علينا! ولا إني هجوزك أي راجل و خلاص! دا انتي جوهرة يا نسمة، لازم أعطيها لراجل يصونها و يحافظ عليها
رفعت رأسها إليه قائلة بصوتها الباكي : مفيش راجل هيقبل يتجوزني لله في لله يا بابا
مسح والدها دموعها : مين قال كده، حازم شاريكي بجد، وعارف كل حاجة عنك و الموضوع مش فارق معاه
سألته بوجع : و عرف كل حاجة عني منين، شفت يا بابا إني بقيت سيرة على لسان كل الناس
اضطر والدها الكذب عليها : مين قال كده، هو عرف مني أنا ، أنا اللى حكيتله كل حاجة إمبارح، أنا كل اللى طالبه منك إنك تقابليه و تفكري، و القرار في الأول و الآخر ليكي انتي، وأنا معاكي في أي قرار تاخديه
أومأت رأسها إيجابًا دون حديث
ملست والدتها، التي ظلت تتابع الحديث بصمت، على شعرها، فهي تعلم حكمة زوجها في التعامل مع ابنتهما
***************************
شعرت (نيرة) بالاختناق لم كاد يحدث مع والدها بسببها، لم تذهب للعمل اليوم، بل قررت التوجه إلى النادي لتحاول استعادة صفاء ذهنها، و هناك التقت (أمجد) صدفة، في البداية لم يلحظ تغير حالتها المزاجية، ظل يقص عليها ما حدث معه، و يخبرها بمشاعره تجاه (سارة) و لكنه وجدها شاردة، ربما لا تستمع إليه من الأساس، سألها باهتمام : مالك يا نيرة؟ انتي مش معايا خالص
أخبرته بشرود : مفيش يا أمجد
اعتدل بجلسته : لا فيه، إيه اللى حصل، جايلك تهديدات تاني ؟
تنهدت (نيرة) بحزن، أخبرته عما حدث، وأنها كادت أن تكون السبب في إيذاء والدها
زفر (أمجد) بضيق : شيطان ماشي عالأرض، مش عارف إمتى البلد هتنضف من الاشكال دي
حاول بث الطمأنينة بنفسها : متقلقيش لو احتاجتي أي حاجة أنا معاكي، و الحمد لله إنها جات سليمة المرة دي
قاطع حديثهم صرخات (فرح) الفرحة برؤيتها (نيرة)، كانت قد أنهت للتو تمرينها، أتت (سارة) برفقتها، رحبت بها (نيرة) التي كانت تحتضن (فرح) بشدة، قررت أن تقضي معهم بعض الوقت، فربما تنسى المشاكل التي تحاوطها جراء عملها
أتى (يحيى) بعد قليل ليشاركهم جلستهم، أبدى اهتمام ملحوظ ب (نيرة) على غير عادته في الفترة الأخيرة، رحلت (سارة) لتُكمل عملها، كما أن (أمجد) قد رحل بعد أن أتاه إتصال عمل هو الآخر
بقيت (نيرة) برفقة (فرح) و (يحيى) الذي سألها باهتمام : اخبار القضية اللى بتكتبي عنها إيه ؟
زفرت (نيرة) بضيق : مكلكعة، طول ما الموضوع فيه حد إيده طايلة بيبقى صعب المظلوم ياخد حقه
نصحها باهتمام بالغ : خدي بالك من نفسك أهم حاجة
تبادلا الحديث لفترة، شعرت خلالها بأن من يجلس أمامها شخص آخر، ربما يكون مُصابًا بانفصام الشخصية، فمعاملته قد تبدلت، فقد دعاها لمشاركة (فرح) تدريبها إن سمح لها وقتها، شعرت من ناحيته بالاهتمام، نفضت أفكارها جانبًا، فهو الآن يُعجبها، تحب الشخصية الجالسة أمامها الآن
تعالى رنين هاتفها، التقطته لتجد أنه رقم غير مسجل،
ما إن أجابت حتى أتاها صوت إمرأة باكية : أستاذة نيرة معايا ؟
ميَّزت (نيرة) صاحبة الصوت، فأجابتها :ايوه
انبعث صوت المرأة مرة أخرى : الحقينا، عملو اللى عايزينه منهم لله
************************
جلس (هاشم) بمكتبه برفقة محاميه و مدير أعماله، يظهر على وجهه علامات الانتصار، لا يهم كيف حصل على مبتغاه، ما يهمه الآن هو أنه يحمل بيده نسخة من تنازل الشاب عن القضية، و هكذا أصبح ولده بأمان، ابتسم بنصر : يبقو يخلو حد ينفعهم بقى، كنت هراضيهم لو كانو اتنازلو بالذوق، بس هما أصلا ناس فقر مش وش نعمة
*************************
تحبس (نيرة) نفسها بغرفتها منذ يومين، تستعيد أحداث أسبوع مضى، منذ كانت في النادي برفقة (يحيى) و (فرح)، حيث أتاها اتصال هاتفي ذهبت إثره ركضًا إلى المشفى، و هناك صدمتها والدة (أحمد) بما حدث : قالو هياخدوه عشان يعمل أشعة عشان يطمنو عالكسور، أخدوه نص ساعة و رجعوه لقينا حبر على صوابعه، بصموه على التنازل
ثارت (نيرة) و غضبت بشدة، فمن المفترض أنهم ملائكة الرحمة قد باعوا ضمائرهم و تواطئوا مع مُرتكِب الحادث، هددتهم بالإبلاغ عنهم و غلق المشفى، هددتهم بأن تُدِع المتورط خلف القضبان، و عندما شعروا أنهم في طريقهم إلى السجن، أتتهم خطة شيطانية أخرى، و أخذوا الاذن بتنفيذها من صاحب القرار الأول و الأخير، اصطحبوا (أحمد) إلى غرفة العناية المركزة بحجة أن حالته غير مستقرة، و في اليوم التالي أعلنوا الخبر لأهله " البقاء لله"
قُتِل (أحمد) و ضاع حقه، و الحقيقة مدفونة داخل أروقة المشفى

أنا النهارده عايزة أعرف رأيكم في الفصل و في الاحداث
و تتوقعو إيه هيحصل مع نسمة ؟

نون حائرةTempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang