الفصل الثانى

2.2K 65 4
                                    

ألقت نيرة هاتفها من يدها بحنق، فها هى تحاول الإتصال بصديقتها للمرة الخامسة ولكنها لا تجيب وتعلم أنها إذا حاولت الإتصال بصديقتها الأخرى ستنال توبيخا هى فى غنى عنه الآن، وعندما حاولت الاتصال بالصديقة الثالثة، وجدت نفسها على قائمة الانتظار
انتبهت إلى صوت طرقات بباب غرفتها متبوعة بصوت والدها يستأذنها فى الدخول، فتحت الباب مستقبلة إياه بإبتسامة باهتة : اتفضل يا بابا
دخل وجلس على طرف الفراش طالبا منها أن تجلس قبالته وتستمع إليه، تعلم أنه سيبدأ فى تبرير موقف والدتها ويحاول التخفيف من حزنها وامتصاص غضبها
ربت على كتفها : متزعليش من ماما، هى خايفة عليكى ونفسها تطمن عليكي
التمعت الدموع بعينيها واختنق صوتها : بس مش ذنبى، مش ذنبى انى اتجوزت واحد وطلقني بعد كام شهر،  مش ذنبى إن كل واحد يتقدملى يبقى عايز يلغي شخصيتي ويخلينى اسيب شغلى اللى بحبه، مش ذنبى انى شفت نماذج كتير تكرهنى فى الجواز

واشتد شعورها بالاختناق وهى تُكمل محاولة كبت دموعها : أنا فاهمة خوف ماما عليا، بس هى بقت قاصدة تجرحنى متخيلة إنها بكده هتقدر تجبرنى على الجواز لمجرد انى اريحها واتعب أنا بعدين عشان مش قادرة ألاقى راحتى، يا بابا أنا مش هكرر تجربة الجواز تانى غير لما الاقى الراجل اللى اقدر استغنى عن كل حاجة عشانه، الراجل اللى أحس معاه بالأمان ويبقى هو كل دنيتي، مش هتجوز اى حد لمجرد إن ماما عايزانى اتجوز
احتضنها والدها مربتا على ظهرها : طيب أهدى بس كده
حاول ممازحتها : طب هتلاقى الراجل دا إزاى يا أستاذة وانتى بقيتى رافضة تقابلى أى عريس
ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيها وهى تجيبه : لما ماما تبطل تقول لهم يفرضو شرط عدم شغلى هقابل صاحب النصيب
كان نصيبها قرصة بسيطة فى وجنتيها من والدها : بلاش تظنى فيها سوء، هى هتقول لهم كده ليه!
اجابته بمرح : يا بابا دا أنا بقيت فاهمة ماما اكتر من نفسى، دا كلهم عندهم نفس الشرط الوحيد انى اسيب شغلى
سألها : يعنى لو العريس موافق انك تشتغلى هتقابليه ؟
فأجابته حزينة : وليد كان موافق انى اشتغل يا بابا، ومع ذلك مقدرناش نكمل مع بعض
الآن أصبح يفهم ما بداخلها من خوف وقلق، فهى لا تريد مجرد زوج ولكنها تريد الأمان، تريده الأب والأخ والحبيب والصديق، تريده كل دنياها
قبَّل جبينها وتركها واعدًا إياها بأن يتحدث مع والدتها بأن تتركها وشأنها حتى يأتى إليها من يستحقها حقًا

بعد أن رحل والدها، توجهت إلى خزانتها وأخرجت منها ورقة مطوية، يعلوها " قسيمة طلاق" ، مؤرخة بعنوان قارب على العامين، شردت إلى وقتها، استعادت الذكرى المؤلمة حتى وإن كانت هى رغبتها ولكنها تشعر بمرارتها، ضاق صدرها بالحياة معه، فقد كان يعاملها كقطعة أثاث بمنزله، كان بخيل وإن كان البخل المادي فقد كانت ستتحمله أما بخل المشاعر فلم تعد تطيقه، وعندما تحدثت معه كان نصيبها الإهانة التى وصلت إلى الضرب، وفجأة يحاول الاعتذار، رفضت وأصرت على طلبها وخاصة بعد ما علمته عنه، فهو التائب العائد إلى ذنبه، نزيل إحدى مصحات علاج الإدمان، وها هو قد يعود إليها، كذب وخدع، هو المذنب وهي الضحية، هو المخادع وهي من دفعت الثمن بحصولها على لقب مُطلقة بعد زواج دام لستة أشهر فقط
نفضت عنها الذكريات والتقطت هاتفها لتحاول الإتصال بصديقتها مرة أخرى وهذه المرة أجابت، لتسارع فى توبيخها : إيه يا زفته سنة عشان تردى
ابتلعت بقية كلماتها عندما تهادى إليها صوت والدة صديقتها الباكى تخبرها بالخبر الصادم : أدم اتوفى يا نيرة
لم تصدق نيرة ما سمعته، فكانت صدمة لها، فقد كان يعامل صديقات زوجته كأخ أكبر لهم، سألتها مندهشة : حصل إمتى وازاى يا طنط ؟
أجابتها من وسط بكائها : النهارده وهو راجع من الشغل عمل حادثة بالعربية
فسارعت فى سؤالها : انتو فين دلوقتى يا طنط ؟
أجابتها والدة صديقتها : إحنا فى البيت، نور كانت منهارة ويادوب الدكتور عاطيها حقنة تهديها ونامت
وبعد أن استمعت إلى الإجابة أخبرتها بأنها ستتوجه إليهم فى الحال
سارعت فى ارتداء ملابسها بينما تجري اتصالا هاتفيا آخر ليصل إليها صوت صديقتها الذى يشوبه النعاس تصب عليها لعناتها لايقاظها من نومها : حرام عليكى يا نيرة أنا لسه راجعة من نبطشية وعايزة أنام
لتقاطعها قائلة : أدم جوز نور اتوفى يا نسمة، اجهزي بسرعة هعدى عليكى ونروح لها
قفزت نسمة من فراشها غير مُصدقة ما سمعته للتو من صديقتها : انتى بتقولى إيه! أنا هجهز حالا وأستناكى
لتسارع هى الأخرى بارتداء ملابسها

نون حائرةWhere stories live. Discover now