الفصل الثاني عشر

1.6K 60 4
                                    


في عروض الزواج التقليدية؛ السكوت علامة الرضا، ولكن في موقف مشابه؛ السكوت علامة المفاجأة
لم يكن يتوقع أحد طلبه، كل ما تعلمه والدتها أنه أتى لاصطحاب طفله، وهذا ما أخبرت به والدها بعدما قصت عليه فحوى اللقاء بينها وبين (مالِك) وما دار بينها و بين جارتها من حديث بشأن (ندى)، و كانت المفاجأة الأكبر من نصيب (سليم) و (ندى)، فهما لم يعلما من الأساس عن قدوم (مالِك)
نظر (علي) إلى زوجته متعجبًا، و نظرة أخرى لوجه ابنته ليرى معالم الصدمة و المفاجأة متجسدة بملامحها، ربما في موقف مشابه لكان الشعور بالخجل هو متسيد الموقف
استلمت والدة (مالِك) ضفة الحديث، قائلة بابتسامة هادئة تعلو ثغرها : الحقيقة إحنا عارفين انكم كنتو مفكرين سبب الزيارة شئ تاني، بس مالِك بيفكر في الموضوع بقاله فترة، و طلبنا دا ملوش علاقة بمقابلة حضرتك معاه إمبارح يا مدام هدى
صدمة أخرى كانت من نصيب (ندى)، فمجيئه اليوم قد كان بعلم والدتها، و الأدهى بطلبها
وقفت (ندى) مستأذنة الدخول لغرفتها، نظر إليها والدها قائلا : اقعدي يا ندى، الكلام يخصك يبقى لازم تكوني موجودة
أمسك (سليم) بيدها برفق، وحثها على الجلوس مرة أخرى
التفت (علي) إلى (مالِك) و والدته قائلا بهدوء و بابتسامة طفيفة تعلو و جهه : الحقيقة إحنا اتفاجئنا بطلبك يا دكتور
شبك (مالِك) أصابع يديه قائلا بتوتر : أنا عارف إني ممهدتش للموضوع بس أنا بصراحة كنت خايف من رد فعلكم، بس بعد مقابلة مدام هدى صليت استخارة و نويت أفاتح حضراتكم في الموضوع
أومأ (علي) برأسه : طبعا يا بني، و أظن إحنا كمان حقنا نفكر في الموضوع
أجابه (مالِك) سريعا : طبعًا يا عمي أكيد
استأذن (مالِك) و والدته بالرحيل، حمل الطفل بحنو بين ذراعيه، نظرت إليه (ندى) بدموع متلألأة بعينيها، اقتربت منه طابعة قبلة رقيقة على وجنته ثم ذهبت سريعًا إلى غرفتها حتى لا تفقد السيطرة على دموعها أمامهم، فشعورها بابتعاد (أنس) عنها كأن أحدهم يسحب جزء من روحها
*****************************

جلست (سارة) بغرفتها تكفكف دموعها، لعنت قلبها الذي سمح بدخوله إليه، كان يكفيها ما يحاوطها من مشاكل لتُقحم نفسها بواحدة جديدة قبل أن تتخلص من سابقتها، شعرت بانجذابها نحوه منذ محاولته التقرب منها، حاولت التهرب منه مرارًا ولكنه حاصرها بالأخير، كان عليها أن تخبره بأمر زواجها حتى يبتعد، لم تخبره الحقيقة كاملة، فهي لم تعلم النهاية بعد
نهاية القصة التي بدأت منذ عام بتقدم أحد جيرانها لخطبتها، زواج تقليدي لا يوجد به مشاعر، شاب تقدم لخطبة فتاة، و بالسؤال عنه تبين أنه على خُلق، يبدو للجميع بصورة الشاب الخلوق المكافح الذي لا ترفضه أي عروس، قابلته و تجاذبا أطراف الحديث ليعجبها ثقافته و إلمامه بما يدور بالعالم من حوله، أعجبها طريقته بالحديث، و احترامه لوالديها، وافقت على الخطبة، و تطور الأمر إلى عقد قران، و الحجة " عشان يقدرو ياخدو على بعض براحتهم"، و الحقيقة لم يحاول استغلاله للتمادي بعلاقتهم، لتكتشف بعدها بأنه لا يوافق على أمر إلا بمشورة والدته، الأمر لم يضايقها في البداية؛ فقد اعتبرته بارًا بوالدته التي قامت بتربيته بعد وفاة والده منذ صغره، تهاونت في أمور كثيرة، تحملت معاملة حماتها الجافة لها، و كلما اقترب موعد الزواج، يظهر وجه آخر لشخصيته، أو بالأدق لشخصية والدته التي كانت تفاجئهم بقراراتها : بلاش فرح، مصاريف في الفاضي
و القرار المفاجئ كان قبل العُرس بشهر عندما اكتشفا بالصدفة أن شقة الزوجية لم تكن سوى شقة مؤجرة لمدة شهر، و عند المواجهة كان الرد من قبل حماتها : أنا بقول يوفر مصاريف الشقة، ياخدو شهر عسل براحتهم في شقة إيجار و بعدين ييجو يعيشو معايا في شقتي
و الصامت بالمعنى الدارج "إبن أمه" لم يعترض، بل كان على علم بالخطة من البداية، و لم يضع بالحسبان أن يتلاقى حماه بحارس العقار و يعلم منه مدة إيجار الشقة، القشة التي قصمت ظهر البعير ليطالب والديها بالانفصال، فالزيجة بدايتها مشاكل هم في غنى عنها، لكن المشاكل لم تنتهي، فالزوج يرفض إتمام الطلاق بأمر من والدته التي ظلت توهمه بخضوعهم له بالنهاية : اصبر بس بكره يجرو وراك و يقولو موافقين، خليها جنبهم كده زي البيت الوقف لا طايلة سما ولا أرض
حاول بعض الأقارب التدخل لحل الموضوع بشكل ودي ولكن دون فائدة، و أصبحت زوجة على ورق
أعادها من شرودها نداء والدها لها، ذهبت إليه لتجده يجلس برفقة والدتها و يعلو وجهه ابتسامة عريضة، ابتسامة لم ترها منذ ثلاثة أشهر، منذ بداية المشكلة
احتضنها والدها مربتًا على ظهرها : خلاص المشكلة هتتحل إن شاء الله، أنا حاولت معاه بكل الطرق عشان يطلق بهدوء، بس هو اللى حابب البهدلة، أنا رحت للمحامي عشان يرفع قضية طلاق أو خلع، يشوف إيه اجراءتها و حكمها أسرع و يتوكل على الله، اعملي حسابك ننزل بكره الشهر العقاري علشان تعملي توكيل للمحامي
احتضنتها والدتها شاعرة بالفرح لقرب تخلص ابنتها من هذه البلوة المسماة حماتها كما تطلق عليها
شعرت بالسعادة، قبلت والدها : الحمد لله، مش عارفة أشكرك إزاي يا بابا إنك وافقت ع القضية أخيرًا
نظر إليها بحنو أبوي : مكنتش حابب المشاكل تكبر بس هو و أمه مش عايزين يجيبوها البر و أنا مش هفضل سايبك تحت رحمتهم
دخلت إلى غرفتها و شعور السعادة يغمرها، حمدت ربها كثيرًا، ثم تذكرت (أمجد)، شعرت بالحزن، لو كان تأخر بتلميحاته أسبوع آخر، لكان ردها سيختلف
******************************

نون حائرةWhere stories live. Discover now