الفصل التاسع

1.5K 52 3
                                    


الصدمات........ منحنى لا نمر في الحياة بدونه، قد تُضعفنا وقد تُزيدنا قوة، وقد تُخرجنا عن حالة صمت و تقوقع على الذات لم تكن سوى اختيار اجباري
ربما تلك الصدمة هي من أخرجت (نسمة) عن درب الصمت الذي سلكته منذ الحادث، أما (أميرة) فالخبر كان صادم بالنسبة إليها ، فمن المفترض أن يكون الطبيب قد اتخذ احتياطاته لمنع حدوث هذا الأمر
استجمعت (أميرة) شتات عقلها وحاولت تهدئة (نسمة) : نسمة، اهدى. انتى متأكدة من اللى بتقوليه دا ؟ عملتي اختبار ؟
هزت (نسمة) رأسها نفيًا : لا، بس عندي الاعراض و البريود متأخرة
تنفست (أميرة) الصعداء، فربما يكون شعورها هذا مجرد علامات كاذبة، ربتت على يديها : حبيبتي انتي دكتورة وعارفة إن ظهور أعراض مش دليل كفاية، لازم تتأكدي، لازم تعملي تحليل
ابتسمت متابعة : بصي قومي كده اغسلي وشك وغيرى هدومك وتعالى نروح معمل تحاليل نتأكد
هزت رأسها نفيًا وخرجت كلماتها مهزوزة : لا، أنا خايفة، خايفة اصدم ماما وبابا
احتضنتها (أميرة) : أنا واثقة انك هتطمني اكتر لما نروح المشوار دا، ومتقلقيش أنا مش هقول حاجة لمامتك، أنا هقول لها إني أقنعتك اننا نخرج نتكلم بره شويه
هزت (نسمة) رأسها إيجابًا فأخبرتها (أميرة) : أنا هخرج اطمن والدتك و استناكي بره
خرجت (أميرة) لتجد (شمس) تبكي حال ابنتها، ينهشها القلق عليها، جرت نحوها فور رؤيتها : طمنيني عليها
ابتسمت (أميرة) و طمأنتها : متقلقيش، هي قررت تتكلم معايا وتخرج كل اللى جواها، بس انا اقترحت عليها اننا نخرج عشان تبقى على راحتها في الكلام
أسرعت (شمس) قائلة : أهم حاجة إنها تتكلم وترجع زي الأول، أنا بنتي وحشتني
قاطع حديثهم خروج (نسمة) من غرفتها، ترتدي ملابس متشحة السواد مرتدية نظارات سوداء تخفي وجهها، مظهرها يعكس ما بداخلها من حزن وانكسار، لم تحاول النظر تجاه والدتها، كانت نظراتها مثبتة أرضًا، خرج صوتها ضعيفًا : أنا جاهزة
واستبقت (أميرة) بخطواتها تجاه الباب، ولكن مع تخطيها آخر درجات السُلم، تيبست قدماها ولم تستطع التقدم خطوة أخرى، شعرت (أميرة) بخوفها فحستها على التقدم و اهدتها ابتسامة لطمأنتها : متخافيش، أنا جنبك
*******************************

جلست (نسمة) برفقة (أميرة) في سيارتها أسفل منزلها، تذرف دموعا وتحمد ربها إن ما كانت تخشاه لم يحدث، بل كانت كلها أعراض كاذبة كما أخبرتها (أميرة)
ناولتها (أميرة) منديلًا و ابتسمت لها : انتى بتعيطى ليه دلوقتى ؟ المفروض تكوني مبسوطة
قالت (نسمة) من بين شهقاتها : أنا كنت مرعوبة، كان أهون عليا أموت نفسي
أميرة : و تخسري آخرتك، ويهون عليكي باباكي و مامتك و اصحابك وكل الناس اللى بتحبك!
نظرت إليها من بين دموعها : أنا خسرت الناس دي وخسرت حبهم، أنا اتسببت في كسر أبويا و أمي
أمسكت (أميرة) يديها ورفعت وجهها إليها : انتى معملتيش حاجة غلط، انتى كنتى ضحية واللى حصل مش ذنبك، لازم تتأكدي إنك بضعفك فعلا كاسرة أهلك بس كسراهم بخوفهم عليكي وانهم مش قادرين يخرجوكي من حالتك
تابعت (أميرة) حديثها : نسمة، انتى حالتك دي أثرت على هرموناتك وبدأ يحصل تغييرات وانتي بتفسريها بحاجات تانية زي موضوع الحمل، حالتك نسيتك إن في الحالات دى الدكاترة بيعملو تنضيف للرحم عشان يتجنبو حدوث حمل، حالتك وصلت شعور لأهلك و أصحابك إنك رفضاهم من حياتك
صرخت (نسمة) تطالبها بالتوقف عن حديثها : بس كفاية، أنا ببعدهم عني لأني مش هستحمل إن هما اللى يبعدوني، أنا بوفر عليهم المسافات، أنا فكرت انى اهرب وابعد واريحهم مني بس مقدرتش، لقيت نفسي أضعف من إني أعمل كده
قاطعتها (أميرة) : انتي مش مضطرة تعملي كده، انتي محتاجة تقربي منهم اكتر وتسمحي لهم يساعدوكي
وجدت (أميرة) أنها قد هدأت وبدأت تستمع إليها باهتمام، فأكملت حديثها : اللى حصل النهارده دا كان شئ كويس لأنه خلاكي تتكلمي وتخرجي جزء من اللى جواكي، عايزاكي تكملي و متتراجعيش، اسمحيلي أنا أكون الايد اللى تساعدك تقدري ترجعي ثقتك بنفسك وعلاقتك مع أهلك و أصحابك
هزت (نسمة) رأسها نفيًا : الناس مش بترحم، مش هيرحموني بكلامهم ولا نظراتهم
ربتت (أميرة) على يديها : وأنا جنبك ومش هسيبك، بس عايزاكي تخرجي و تواجهى الناس لأنك مش غلطانة، ابدأي بأنك انتى تيجي العيادة، اتفقنا ؟ أنا كل اللى طلباه منك إنك تسيبيني أساعدك
ترددت (نسمة) كثيرا ثم أومأت برأسها إيجابا ولكن بداخلها يزداد خوفها من القادم، بداخلها تخشى المواجهة، ولكن فلتدعها تمد لها يد العون
ودعتها صاعدة إلى منزلها على وعد بزيارتها قريبا لاستكمال جلسات علاجها النفسي
اطمئنت (أميرة) إلى صعودها منزلها ثم ترجلت من السيارة لتعبر الطريق تجاه سيارة أخرى مصطفة على جانبه، فتحت باب السيارة الأيمن و دلفت إليها لتخاطب الجالس في مقعد السائق بغضب : حازم لو سمحت كده مينفعش، إنت مراقبنا من ساعة ما خرجنا
التفت إليها سائلا بترقب : نسمة حامل ؟
عاندته قائلة : مش من حقك تعرف، مش من حقك تعرف أي حاجة بتدور بيني وبينها
صرخ بها : لا من حقي، من حقي يا أميرة، أنا بحبها وشعوري ناحيتها مش شفقة، أنا بحبها وعايز أكون جنبها
حاول تهدئة أعصابه : أنا هتقدم لنسمة، الموضوع كله مسألة وقت لحد ما انتى تعطيني إشارة إن قربي منها مش هيأذيها، لكن لو فيه حمل مش هينفع أتأخر
حاولت (أميرة) إخفاء ابتسامتها وإعجابها بصدق مشاعره، ترجلت من السيارة قائلة : نسمة مش حامل، هي كانت خايفة و بتطمن، يعنى اهدى على نفسك وسيب كل حاجة تمشي براحتها خصوصا إنها بدأت تتجاوب معايا، ولو سمحت بطل حركات المراقبة دي، وقت ما احتاجك تظهر في حياتها هبلغك
عبرت الطريق مرة أخرى تجاه سيارتها وتركته يحمد ربه على بدء استجابتها للعلاج
***************************************

نون حائرةWhere stories live. Discover now