الفصل الثاني والعشرون

1.5K 57 8
                                    


سند….. هذا ما أخبرها والدها بأنها ستحتاجه، شخص يقف جوارها، فهي لن تستطيع العيش بمفردها هي و ابنتها طوال العمر
عرض عليها والدها طلب (مُهاب) الزواج منها، مُبديًا ترحيبه و موافقته على طلبه، فبعد أن جمع بعض المعلومات عنه؛ التمس فيه زوجًا صالحًا لابنته، و هي رفضت تمسكًا بذكرى زوجها الراحل، فحاول والدها إقناعها بوجهة نظره : اسمعيني يا نور، انتي مش هتقدري تعيشي طول عمرك لوحدك، أكيد هتحتاجي راجل في حياتك، يكون سند ليكي، ترمي عليه همومك و يشيل معاكي المسئولية
حاولت (نور) الاعتراض : بس يا بابا أنا أقدر أعتمد على نفسي و مش محتاجة حد في حياتي، عمري ما أقدر أفكر في راجل تاني بعد أدم الله يرحمه
حدثها والدها بهدوء : يا بنتي دي سنة الحياة، و الحياة مبتقفش، لازم تعيشي عشان بنتك، بنتك محتاجة حد يكون لها أب، مش هينفع تقومي انتي بالدورين
التزمت الهدوء تفكر بكلام والدها، فواصَل هو اقناعها : و كده تقدري تخلصي من زن ماما و تبعدي حسام عن طريقك
ثم سألها مشاكسًا إياها : و بعدين بزمتك حسام ولا مُهاب ؟
قالها مُظهرًا امتعاضه لذكر (حسام) فتعالى صوت ضحكاتها، ربت والدها على وجنتها قائلًا بابتسامة : فكري كويس يا نور و استخيري ربنا
أومأت برأسها : حاضر يا بابا
******************
في جلسة عائلية جمعته بشقيقيه و والدته، انتهز (مُهاب) الفرصة ليخبرهم برغبته بالزواج، تنحنح قائلًا : أنا عايز أقول لكم على حاجة
انتبهوا له جميعًا فأخبرهم : أنا خلاص نويت أتجوز ان شاء الله
علت البسمة وجه والدته التي اقتربت منه تنهال عليه بالاحضان و القبلات : أيوه كده فرح قلبي و خليني أفرح بيك، عينك على واحدة معينة ولا أدورلك أنا
أخبرها و البسمة تعلو وجهه : لا هو الصراحة فيه واحدة معينة، و فاتحت والدها و منتظر منهم يحددو ميعاد عشان نروح نخطبها رسمي
لوت والدته شفتيها : يعني إنت جاي تقول بعد ما اتقدمت
قبَّل (مُهاب) رأس والدته : دا أنا كنت بجس نبض بس يا ماما، هو أنا هعمل أي خطوة من غير وجودك معايا
عادت إليها ابتسامتها : طب قولي هي مين
أخبرها : مهندسة بتشتغل معايا في الشركة
قال (مُعاذ) ممازحًا : مش عارف ليه حاسس إني أعرفها، أصلي ملاحظ النظرات و الغمزات
لكزه (مُهاب) : طب نقطنا بسكاتك و ملكش دعوة
أدارت والدته وجهه إليها : سيبك من الواد دا و قولي، أهلها كويسين ؟
قال بهدوء : ناس محترمين جدا، بس فيه حاجة لازم تعرفيها عنها
صمت برهة ثم قال : هي أرملة و معاها بنت
صرخت به والدته مظهرة شخصية الحما المصرية الأصيلة : نعم يا عينيا، أرملة و معاها بنت، و دا ليه إن شاء الله! من قلة البنات رايح تتجوز واحدة أرملة و ببنتها كمان!
امتقع وجه (مُهاب) و شعر بالضيق من طريقة تفكير والدته، كاد أن يجيبها لولا أن سبقه شقيقه (سامر) بالرد : فيها إيه يا ماما ؟ دي حاجة هي ملهاش يد فيها و طالما محترمة و أخلاقها كويسة يبقى مفيش داعي لاعتراضك
نهرته والدته بغضب : بس يا فيلسوف عصرك إنت كمان، أنا مش موافقة عالجوازة دي
حاول (مُهاب) التحلي بالهدوء : يا ماما نور هي الانسانة اللى لقيت فيها مواصفات شريكة حياتي
لوت والدته جانب فمها : هي السنيورة إسمها نور! و من ضمن المواصفات دي يا عين أمك إنك تتجوزها أرملة و معاها عيلة
وصل الغضب من (مُهاب) مبلغه : بصي يا ماما، أنا من الآخر كده لو مااتجوزتش نور مش هفكر في غيرها و هرجع أمريكا و أفكني من حوار الجواز دا من أساسه
أنهى جملته و توجه إلى غرفته تبعه شقيقه (سامر)، بينما وقف (معاذ) يستمع إلى جملة والدته الشهيرة على لسان كل امرأة مصرية يتمسك ولدها بفتاة أحلامه : لحقت تسحرلك يا أخويا و تجيبك على جدور رقابتك
********************
خرجت (نيرة) برفقة (فرح) للتنزه قليلًا، و على غير المعتاد لم يتوجها إلى النادي، بل اختارا حديقة هادئة قليلة الرواد، قاما بشراء المثلجات بنكهتهما المفضلة، رفضت (نيرة) مرافقة (يحيي) لهما، أخبرته برغبتها بأن يزيد التقارب بينهما دون وجوده، مرحا كثيرًا و لم ينتبها إلى السيارة التي كانت تتبعهما منذ خروجهما من المنزل
بعد أن قضيا الكثير من الوقت في مرح، قررا العودة إلى المنزل، و أثناء خروجهما من الحديقة كان هو جالسًا بسيارته يحمل سلاحه؛ قناص ماهر يُجيد التصويب على أهدافه، انتهز أعداد المارة القليلة و سيارته التي تخلو من لوحة الأرقام، قام بالتصويب على هدفه، و لم يُخطئ، فعل فعلته و فر هاربًا بسيارته،تاركًا خلفه أصوات صراخ من القلة المتواجدة، و من تهاوى جسدها نازفًا بوسط الطريق
********************
شعرا (مالِك) و (ندى) بالسعادة بعد أن حددا موعد عقد قرانهما و زفافهما، سارعا بإكمال كل ما ينقص في مسكنهما و ما يخص ترتيبات الزواج
بعد مواجهتها مع (طارق) قصت عليه (ندى) ما يخص مخاوفها، تخشى أن يظهر بحياته حب آخر فيتركها لأجله كما فعل بها (طارق)، تخشى أن يكتشف أن حبه لها لم يكن سوى رد جميل حبها لطفله و رعايتها له، و لكن (مالِك) أكد لها بأن حبه حقيقي، و هذا ما استشعرته في معاملته لها، فتركت غيرتها و تسرعها في الحكم على الأمور جانبًا، و باتت لديها قناعة بأن ذكرى زوجته الراحلة لابد أن تتواجد لأجل أن يتعرف طفله على والدته التي أنجبته
*******************
جلسا كلًا من (شيري) و (هاشم) يتضاحكان و يهنئان بعضهما على تنفيذ خطتهما، تحدث (هاشم) بنظراته الشيطانية : يلا خلي الست الصحفية تتلهي و تحل عن سمانا
اقتربت منه (شيري) بدلال : إنت بس خليك ماشي ورا أفكاري وأنا هقولك إزاي تتخلص من أي حد يضايقك
التمعت عينيها ببريق ذو معنى، فقد تم تنفيذ ما خططت له، بوضعها لخطتها لم تكن تضع اعتبار لخلافات (هاشم)، بل كانت تسعى لانتقام آخر يخصها، و بقي خطوة أخرى لابد من تنفيذها
***************
عاد (حازم) لتوه إلى المنزل بعد غياب يومين اضطر خلالهما السفر إلى موقع القرية السياحية التي يشرف على بنائها، بمجرد دلوفه إلى المنزل قابلته رائحة الطعام الشهية، نادى بإسم (نسمة) فوجدها تخرج من المطبخ تقابله بابتسامتها الصافية : حمدالله على السلامة
بادلها الابتسامة : الله يسلمك
لقد اشتاقها حقًا و يريد احتضانها ولكنه على اتفاقه معها، لن يقترب سوى إن أرادت هي، سألها و مازال محتفظًا بابتسامته : انتي رجعتي من بيت باباكي امتى ؟
لقد اقترح مكوثها بمنزل والديها خلال فترة عدم تواجده بالمنزل خوفًا عليها، أجابته قائلة : جيت الصبح بعد ما كلمتني و قلتلي إنك جاي النهارده، قلت أجي أحضرلك الغدا عشان أكيد هترجع جعان
شعر بالسعادة داخله لاهتمامها بعمل شئ بسيط لأجله حتى و إن كان مجرد إعداد طعام : أنا فعلا جعان جدا
قالت له : خلاص غير هدومك على ما أطفي عالأكل و أجهز السفرة
توجه (حازم) إلى الغرفة ليغير ملابسه بينما عادت هي أدراجها إلى المطبخ تنهي إعداد الطعام، طعام أعدته بحب لشخص التزم بكلمته معها، وعدها أن يكون لها الأمان و هذا ما سعى إلى تحقيقه منذ معرفتها به، وعدها ليلة زفافهما بألا يقترب منها سوى برغبتها و قد وفى بوعده، خلال الفترة الماضية شعرت بحبه لها و سعيه جاهدًا لارضاءها، فشعرت بأنه من واجبها أن تساعده على الحفاظ على حياتهما سويًا، بدأت تسأل والدته عن أشياء تخصه، ما يحبه ولا يحبه، كان هو محور حديثها بجلساتها مع (أميرة) بالفترة الماضية، لقد بدأ بالاستحواذ على تفكيرها، و هذا ما اعتبرته خطوة إيجابية
و اليوم حرصت على أن تتواجد باستقباله عند عودته من سفره و أن تعد له ما يشتهيه من أصناف الطعام
و أثناء جلوسهما لتناول الطعام سألته عما حدث بسفرته في اهتمام ظاهر منها، الأمر الذي جعله يشعر بالسعادة، و قصت عليه ما حدث معها من روتينها اليومي بين العمل و منزل والدها أثناء غيابه، كانت الجلسة الأقرب إليهما منذ زواجها…….  جلسة بداية تحطيم الحواجز
*****************
وقفا أمام غرفة العمليات تفصلهما مسافة، ارتكن هو برأسه إلى الحائط يدعو إلى الله بأن ينجي طفلته، يجاوره شقيقه يربت على كتفه مطمئنًا، بينما ارتمت هي بأحضان والدته تبكي بشدة، فهي قد أثبتت عدم قدرتها على تحمل المسئولية و أنها مصدر خطر عليهما، فلابد أنها من كانت المقصودة و أن من أطلق عليهما الرصاص قد أخطأ هدفه
خرج الطبيب لتوه يطمئنهم بوجه هادئ مبتسم : اطمنو يا جماعة، الرصاصة مجتش في العضم، دا مجرد خدش في دراعها بس هي نزفت كتير، ترتاح ساعتين و هتبقى أحسن إن شاء الله، بس لازم نعوض لها الدم اللى نزل منها
حمدت (نيرة) ربها كثيرًا و زفر (يحيى) بهدوء، لمحت بعينيه نظرة لا تعلم كنهها، لا تعلم إن كان يعاتبها و يحملها مسئولية ما حدث لابنته أم يطمئنها بأن لا دخل لها و لكنها مشيئة الله
نُقلت (فرح) إلى غرفة عادية، جلست (نيرة) بجوارها تُقبل جبهتها، تخشى عليها كأم حقيقية، تشعر بمراقبة (يحيى) لها و لكنها تخشى النظر إلى عينيه، اقترح عليها بأن تذهب إلى المنزل برفقة والدته و شقيقه و لكنها أصرت على مكوثها بجوار (فرح) لرعايتها
سمعا دقات بباب الغرفة دعا (يحيى) صاحبها للدخول، و لكنه ما أن لمح وجه الطارق حتى امتقع وجهه، فقد طالعه وجه آخر من يريد رؤيتها بهذا الموقف، من كان يريد تمزيق صفحتها من حياته إلى الأبد…….. طليقته (شيري النجار)
********************
أبلغت (نور) والدها بموافقتها على طلب (مُهاب)، الأمر الذي أغضب والدتها كثيرًا، فهي لها وجهة نظرها الخاصة بأنه لا يحق لأي رجل الاقتراب منها هي و طفلتها سوى شقيق زوجها الراحل
و أثناء زيارة (نور) لمنزل والديها، انفجرت بها والدتها : اشمعنى دلوقتي وافقتي عالجواز! انتي مش فاهمة انتي بتعملي إيه، انتي بتدخلي راجل غريب في حياة بنتك، انتي مبتسمعيش عن الحوادث و البلاوي اللى بقت مالية البلد، انتي ضامنة الراجل دا هيراعي بنتك ولا هيعمل فيها إيه، انما عمها هو أكتر واحد هيحافظ عليها و يصونها
شعرت (نور) بالقلق من حديث والدتها، فلم يخطر ببالها كل ذلك، و لكن والدها عارض والدتها و أجبرها بأن تصمت و تحتفظ بأفكارها السوداوية لنفسها، تحدث معها بهدوء : متحطيش كلام ماما في دماغك يا نور، اللى هي بتقوله مش قاعدة ولازم تحصل، كتير أرامل و مطلقات و معاهم بنات و اتجوزو، و يمكن أزواجهم بيتعاملو مع بناتهم أفضل من أبهاتهم، و بعدين مش انتي استخرتي ربنا و حاسة براحة ؟
أومأت له برأسها ايجابًا فابتسم لها قائلًا : يبقى تتوكلي على الله و ربنا إن شاء الله يحميكي انتي و بنتك
*********************
جلس (يحيى) بجوار طفلته يستعيد ذكرى مر عليها ما يقارب ست سنوات، حين كان فتى النادي الأول، الطيار الچان الوسيم، محط إعجاب أغلب فتيات النادي، و كانت هي من بينهما (شيري النجار)
لم تكن تعجبه فتيات النادي، فأغلبهن مهتمات بالمظاهر، يبحثن عن رجل يتعاملن معه كأنه البنك المركزي ولا مانع من بعض الوسامة حتى تكتمل الصورة، و هي وحدها من لفتت انتباهه، ملابس بسيطة و مساهمات إجتماعية لمساعدة من يحتاج، أعجبته و خلال أشهر صارت زوجته، لتنكشف بعدها حقيقتها، فكل ما كان يراه لم يكن سوى مجرد قناع زائف كانت ترتديه لتوقعه بشباكها، علمت ما يبحث من مواصفات في عروسه و ادعت أنها تمتلكها، ليظهر بعدها بأنها الشخصية الأتفه بين قريناتها، لم يتحمل العيش معها، و حين قرر الانفصال عنها، اكتشف حملها الذي كانت تريد التخلص منه، هددها بأن يوقعها بالمشاكل إن تخلصت من جنينها، رأت منه وجه أجبرها على الانصياع لأوامره، و بمجرد أن وضعت طفلتها أخبرته ببرود بأنها تريد الطلاق كما أنها لا تريد الطفلة، أم بلا قلب تتخلى عن قطعة منها لأجل تفاهاتها، فهي لا تريد أن تتحمل مسئوليتها
نفذ لها ما طلبت و اهتم هو برعاية طفلته التي لم يقو على اخبارها بأن والدتها تخلت عنها و اكتفى بأن يُظهرها أمامها بصورة الملاك الذي توجه إلى السماء
****************
توجهت (نيرة) إلى منزل والديها بعد أن أصر (يحيى) على رحيلها إلى المنزل لتنال قسطًا من الراحة، جلست بغرفتها تستعيد ذكرى مواجهة حدثت أمامها منذ قليل
زائرة لا تعرف هويتها حتى قامت هي بالتعريف عن نفسها…..  طليقة زوجها التي جاءت تهدده بأنها ستأخذ طفلتها لانه لا يستطيع حمايتها و كان سببًا في تعريضها للخطر، من تركت طفلتها و هي رضيعة لم يمر على ولادتها شهر جاءت اليوم ترتدي ثوب الأم العطوف التي تتلهف لرؤية طفلتها
و لكن (نيرة) فهمت اللعبة حين قصدت (شيري) التعريف عن هوية زوجها الحالي (هاشم بركات)....... الآن فقط اكتملت الصورة، (شيري) قد ضربت عصفورين بحجر واحد، تعاقب (يحيى) على زواجه بأخرى و تساعد (هاشم) في تهديده لها و إزاحتها من طريقه، رأت بعيني (شيري) نظرة تخبرها بأنها الخاسرة دومًا فعليها الانسحاب
التقطت (نيرة) هاتفها وطبعت به رسالة نصية لم تقو على قول مضمونها لزوجها : أنا أسفة يا يحيى، أنا طلعت ضعيفة عكس ما كنت أتوقع، و مش هقدر أكمل الحرب دي طول ما انتو قريبين مني، مش هعرضكم للخطر معايا
ألقت هاتفها بعد أن ضغطت زر الارسال و انهارت باكية على فراشها
******************
دلف (كريم) إلى منزل صديقه (عمرو) مستعملًا نسخة لديه من مفتاح الشقة قد تركها له صديقه، جلس بغرفة الجلوس يشعل إحدى لفائفه الغير شرعية، و حينها خرجت هي من الحمام ترتدي منامة خفيفة، صرخت عند رؤيته، و لكنه اقترب منها سريعًا يكمم فمها، لا يعرف هويتها كما أن صديقه لم يخبره بوجود فتاة بمنزله، و لكن لا يهم، عليه فقط أن يستفيد من الموقف
قيد يدي الفتاة بكلتا يديه و اقترب بفمه يحاول تقبيلها، صرخت الفتاة، طرحها أرضًا يحاول نزع ملابسها عنوة، ركلته بقدميها و استطاعت التملص منه، لمحت سكين بطبق الفاكهة الذي كانت تتناوله منذ قليل على طاولة الطعام، التقطته تهدده به ولكنه استضعفها و اقترب منها ظنًا منه بأنه سيستطيع أخذه منها و لكنه لم يضع في الحسبان تنفيذها لتهديدها، توقف فجأة مكانه لا يستطيع الحراك، فقد انغرز السكين بقلبه، نظر لها يرى ارتعاشة يدها و جسدها قبل أن يسقط أرضًا و يدوي صوت صراخها

نون حائرةDonde viven las historias. Descúbrelo ahora