أقفاص خاوية

170 11 72
                                    

استيقظت اليوم و أول أنفاس الصبح، شهدته يطرحها مثقلة على صفحة من أزرق السحر فتصير بفعل الأنفاس اللاهثة درجة أبهت من الأزرق، تتداخل و خصلات الفاتنة الشقراء التي استيقظت من نومها توا، بخديها المحمرين و المتواريين خلف البحر.

سرت و قد اشتاقت نفسي إليك أمخر أعماق عتمة هذا الصبح حيث لاقيتك أول مرة؛ و جلست بمقعدنا كأنني أجلس إليك، و خلت الريح الذي يعبر بيني و بين الفراغ أنفاسك الهادئة التي كانت تلازمني كل سحر و التي صارت إدماني الجديد.

نظرت للسماء التي كنا نطالعها معا كي نطرد عنا التوتر في حضرة بعضنا. لا أدري إن كنت تشعرين بالمثل لكني كنت أتوتر في حضورك فقد كنتِ أنثى غير كل الإناث!
كنت شقيقة الطيور في حريتك، بين ريشك الملون ينام الجمال فتفتنين كل الصيادين و تحت جناحيك تخفين روحك الجامحة، كفرس عربية أصيلة أنت، كالنسور و ككل ما هو قوي و جميل.

و على سيرة الطيور، زارني و خلوتي بذكراك طير الصبح الذي يترجم أنفاسه لزقزقات.
و زارتني ذكراك يومها، حين اتخذنا من هذا المقعد مجلسا و وصفتِ لي الطيور بأعينك فرأيتها كما لم أفعل يوما.

***

قلتِ و قد أقبلت بهيئتي المثقلة بالسواد: ظننت أنك لن تأتي!

عبرتك نظرتي الخاطفة من بين شعري المتطاول على حرمة عيناي، أنظر لك بضياع و كأني أسمع صوتك من قعر بئر يكاد يصل باطن الأرض. جلست بجانبك و ألقيت رأسي للخلف مغمضا عيناي، أشعر أن الحياة تدق رأسي و كأني مسمار تثبت به سعادة الآخرين على حساب تعاستي.

- تبدو اليوم منطفئ الوهج بشدة على عادتك و على غيرها، ما بال بحرك اللجي يزداد ظلاما؟ هل بالصدفة عبرتك حاوية بترول و تسرب بعضه إليك؟

قهقهتِ حتى اختنقت أنفاسك على نكتتك، هززت رأسي بقلة حيلة و عبر ثغري الجاف ابتسامة مستهزأة كانت متشققة كحال نسيج شفتي. و قلت:
خفيفة ظل أيضا!

-إسمع سينيور جون، الحياة مسرحية ساخرة تحاك من عمق الكتب الهزلية، حيث الحياة التي تُخضع العديد بجبروتها تسقط راكعة للبعض الآخر، و إنتقاما لكبريائها المكسور ستكسر أنوف و ظهور غيرها.
لذا، خذ الحياة على أنها مزحة و اضحك كلما طرحتك أرضا، فإن كانت هي سادية كنت أنت ماسوشيا و جد متعتك في الألم الذي تسقيك إياه.

كمحرك قديم اشتغل بعد دهر يلهث دخانه بتتثاقل خرجت ضحكتي، الحياة سادية؟ من أين لك بهذا إسميرالدا غارسيا؟
قلتِ و قد شعرت بإبتسامتك تتوسع بين كلماتك: ها أنت ذا بدأت تفهم اللعبة جون! إضحك  حتى تكره الحياة من استمتاعك بأذاها فتكفيك شره.

هززت رأسي و كأني أرفع قلمي عنك ثم نطقت ببحة تغادر أحبالي الصوتية و حروفي: أرى أنك جيدة بإعطاء النصائح غارسيا، إلا أني أتسائل إن كنت تجيدين التفسير أيضا.

ذات سَحَر Onde histórias criam vida. Descubra agora