الوجه الآخر للحياة

157 15 28
                                    

قد تهوي بنا الدنيا للدرك الأسفل من اليأس، حيث لا نور هناك يعبر أهدابك المثقلة إلا ذلك الناتج عن إغلاقها، حيث لا صوت يحتضنك سوى الصمت القاتل الذي يذكرك كل حين كم أنك بائس و أنك قد دفنت حيا، دفنت روحك.

يحدث أن ينطفأ فيك وهجك، الكل يظلم في مرحلة ما حتى الشمس خلف البحار تتوارى، تنزع ثوب النور و ترتدي ثوب الدخان المنبعث من احتراقها الدائم، و تئن كأنما تطعن في الثانية ألف مرة.

الدنيا لم تكن يوما عادلة و لن تكون، كل من يؤمنون بأنها قد ترأف بهم حمقى، أترأف فأس الصياد بجذع الشجرة المنهك؟ أنرأف بها نحن؟
وحدها من تموت و تحيا ذاك الألم، ثم حين تموت ندرس أحزانها في بقايا جذعها المتصل بالأرض حتى حين تُحكى قصتها تكون قد اختفت من الوجود، وحدها حلقاتها من تتكفل بسرد القصة.

لست أحاول إقناعك بغير معتقداتك، لأني أدرك أنك أنت الأخرى تؤمنين بهذا، الكل يفعل لأن الكل قد فُعل به نفس الشيء. و الذين يخالفوننا الرأي لي معكم حديث حين تنطفئون.

لكن، أحقا ولدنا لنشقى؟ لنكون تعساء؟ هناك على الأقل شخص واحد خلق من أجلنا، من أجل ألا نشقى و نتعس، من أجل أن يكون الفرحة في وسط هذا الحزن القاتل، من يجعل من الكرب حبورا. و رزقت إياك إسميرالدا.

أنت رحمة الرب التي خصني بها لتنتشلني من ضياعي هذا، من كل الألم، لأسير بجوارك و كفي يعانق خاصتك نحو الجانب المشع من متاهة الحياة، يا ليتني أملك من الشجاعة شبرا يزيد في إرتفاع صدري المشدود، يقيم كتفاي و يرفعهما عاليا علي أهمس لك أني أحبك. أني ضعيف بك، ضعيف أمامك أنا و أمام طيفك، و دونك يهوي مؤشر الضعف بي لذاك القاع المظلم مجددا.

في لحظات الضعف التي سبقتك خلت أن الدنيا تآمرت ضدي، كل الكون بأجرامه، صوت الريح و تفرع النبات، كيف للشمس أن تشرق في وسط حزني؟
و نسيت أن في كل ما سبق مواساة لي، رحمة لضعفي، يذكرني بأن الشمس عاشقة لقمر محال إدراكه، أن الريح لص هارب من جرم سرقته لرائحة غيره، و أن النبات ضعيف خلف أشواكه و قامته المرفوعة، و فعلا يا إسميرالدا للكل أحزان...

حين أتيتك يومها كانت عيناك تشع كأول يوم التقيتك فيه، كانت تلمع بشقاوة كأنك تخبئين لي مفاجأة أخرى، تجعلني أتعجب منك و من إنصياعي لك، حين ابتسمت أدركت أنك تحملين لنا فكرة أخرى.

ما إن وصلت للمقعد حتى استويتِ واقفة، تعقدين يديك خلف ظهرك و تبتسمين باتساع. رحبتِ بي قائلة: مساؤك سعيد جونغكوك.

- سعيد بوجودك إسميرالدا.
و أشحت وجهي عن خاصتك الضاحك حين أدركت أني أفصحت بما كان يجول في خاطري.

قلتِ و الفرحة تغمرك: أنا ممتنة لأنك تبادلني نفس الإحساس جونغكوك، يا صانع مسائي!

إبتسمت بخجل قبل أن أصرف توتر الجو قائلا: ما خطب هذه الإبتسامة إسميرالدا، ما الذي تخفينه؟

ذات سَحَر Where stories live. Discover now