شرارة الود

107 13 27
                                    

و أتيت لك أسوق فضولي هذه المرة لفتاة لم تعرف معنى الخوف من رجل يتوشح السواد و كانت تعلم أنها و بجبروت الأنثى الفريدة بداخلها ستخضعه.

ما كنت أراك كما رأيتك قبلا، تقدمت و كنت أركز نظري على المقعد الذي يجمعنا كل سحر و أنا الذي سابقا كنت أشغل عيني بأي شيء حتى لا تسلبني عيناك تركيزي. و لأن الأقدار تشاكسنا فقد بلغت المقعد و لم أجدك.

كانت تلك الخيبة قارعة لناقوس بداخلي. لماذا أشعر بالأسف إذ لم أجدك؟ هل ربما مللتِ من رفقتي كل ليلة؟ و لأني موبوء الفكر انتقلت العدوى لجسدي الذي سار نحو المقعد سريعا حتى يلقاك و حين لم يجدك تهاوى كما يفعل دائما.

كانت السماء ملبدة يومها، و فكرت أن القمر هو الآخر يشعر بخيبة لأن شمسه الصغيرة لم تحضر هذا اليوم و لم يستمع لتغريدات العصافير الناعمة التي يعزفها ثغرك حاكيا فتكسر روتينه المتكون من نحيب البوم.

لا النجوم تراقبني في غيابك و لا الأزرق الحزين يصبغ وجه السماء، فقط لون الخيبة زينها ذلك اللون المتأرجح بين أحمر و أصفر يتخللهما نور باهت من القمر الذي نام ملتحفا بالغيوم.

من دونك عدت لعادتي، فكرت كثيرا حتى أرهقت و قد قارب السحر على الزوال. فكرت بي قليلا و كثيرا بك، لأن كل حديث استفتحه عقلي آنها قادني إليك، كان كثيرا ما يتنهد مثقلا بحسرته: من يصرف وحشة الليل عني؟

و طالعت السماء فوقي، كل شيء في الليل موحش لكنه قوي بشكل ما، كنت أستمد من هذه القوة أنسي و الليلة أين أنا من أزرق السحر و القمر العاشق و دموع السماء؟ كل من أحبهم غادروني هذه الليلة إذ فعلتِ، ألست ابنة النهار؟ ردي إلي أسطول الليل فلعمرك إني بدونهم تائه.

ما عدت أعرف حتى هذا الليل و أنا من يعلمك إياه. كل شيء في هذا الكون قد يخرج عن عادته حتى هذا الليل القوي. الليلة حضرت إنكسار جبروته حيث سمعت بكاء الأجرام و السماء خلف هذه الغيوم. و قبلت خدي أول قطرة مطر.

تنهدت و الغيث يتسرب لملابسي فيجعلها أثقل مما هي عليه، و كأن ثقل أغلال روحي لا يكفيني. و غسل المطر وحدتي و بكيت و إياه، بكيت كما لم أفعل منذ دسست جثة والدي هامدة و أهلت عليها التراب و كنت يومها فتا فطم توه من ضرع الطفولة. ابنا للرابعة عشر حكمت علي الأقدار أن أصير رجلا، و لأنه و كما قلتِ ما يأتي سريعا يذهب سريعا فقد هربت من مسؤولياتي سريعا كما جاءتني و يا ليتني فكرت آنها مرتين على الأقل.

بكيت بحرقة و اهتز جسدي، إزرقت شفتاي و ارتعشت أطرافي بشدة، أمن المطر هذا أم من الكرب؟ كلاهما باردان حد الموت و ما عدت أدري لماذا أبكي.

أنذرت شهقاتي بالإرتفاع فدسست وجهي بداخلي كفي، لأني ابن الليل علي أن أكون قويا مثله لكنه مكسور اليوم تماما مثلي، فلتسامحني.

ذات سَحَر Место, где живут истории. Откройте их для себя