ماهية البدايات

95 14 26
                                    

و توقفنا على أعتاب المجهول، كان كل ما خلفنا مظلم كماضي و أمامي تمتد من بين أوراق الأشجار التي تحركها الريح بقوة كقلبي أشعة خافتة، كنت أرى إنقضاء الليل و إحتضاره، كأن الشمس وليدة الليل و هذه اللحظات التي تجمع النور و الظلام لحظات مخاضه.

ها أنا ذا و إياك، لا تزال كفي تحتضن خاصتك منذ مدة أجهلها و قد اعتدت عليها كجزء مني قد سلب و رددته بضم كفينا، صمتنا عن الحديث لكن نظراتك التي قابلتني آنها كانت تروي كل ما عجزنا عن قوله.

قابلتني و ابتسمت، لمعت عيناك عوضا عن النجوم التي حزمت رحالها و غادرت فلم يبقى منها سوى عجوزها التي تقف على أطلال الليل و تبكيه بصمت، حتى شعاعها كان خافتا كأنها تودع دنيانا قبل أن تحتضر.

قلتِ هامسة و كأنك تخشين أن يعكر صوتك سمفونية هذا المنظر: أمستعد أنت جونغكوك؟

هززت رأسي موافقا و قد حبست أنفاسي، قلبي كان يصرخ بجموح و روحي الأسيرة التي اعتادت أن تختبئ في الزاوية المظلمة من زنزانتها تقدمت نحو مصدر النور الخافت و البعيد، و ترقبت كما كل كياني، ترقبت المجهول.

مددت كفك تحجبين النور عني لكن صوتك الهادئ كان ينير العتمة التي احتضنتني و أنت تقولين: حين أعد للثلاثة ستبدء سنة جديدة بتوقيتنا، سنة لا شيء فيها من الماضي سوى أنا و أنت فأنا ذكرى سعيدة على ما أظن.

ضحكت و قد شاركتك مؤكدا قولك، أنت مفهوم السعادة منذ أن عرفتك يا إسميرالدا.

ركدت ضحكاتنا فاسترسلت قائلة: سأبدأ بالعد.
هززت رأسي موافقا ليأتيني صوتك عادا بهدوء: ثلاثة. و أحسست آنها و كأن قلبي يلفظ آخر أنفاسه، عند الاثنان ثقلت أطرافي من شدة توتري و رحت أقبض على كفي و كذا أشدد من إغماض عيني التي حجبت عنها النور بكفك.
عند الواحد التقطت يدك الحرة خاصتي و همست بين الواحد و الصفر أني معك جونغكوك. و سكن كل شيء.

ابتعدت يدك عن عيني فداهم السواد الذي يحتل مقلتي نور متمرد، انفرج تشابك عيني و كنت أنت على ابتسامتك الدائمة تقابلينني، إلا أن لعينيك آنها رأي آخر. و شهدت إنفلاق بذرة النور بين مقلتيك و جلست بين يديها كطفل يتلقن أولى أحرف الحياة و أنا أرى كيف للنجوم أن تصير شمسا.

هربت مقلتاك عني نحو السماء فتبعتها كمسحور لأرى و إياك ماهية البدايات، و رأيتها كالعروس الحسناء ترخي ثوب الليل الحالك عن جسدها الشهي، تطل بخجل مغري من بين ثغرات أوراق هذه الأشجار ثم تتطاول خصلاتها حتى تطئ كل مكان، تخترق العتمة و تخلق النور بجمالها الأخاذ، كيف لهذه الفاتنة أن تولد بهذا الجمال؟ كيف للشمس أن تشع رغم كل ألمها؟ و أنى لها أن ترضى بالقمر خليلا و هي على هذا القدر من الجمال؟

أتاني صوتك الحلو من بين دهشتي بإشراقة عروس الدجى يصرفني عنها: أنظر كيف يتحول حزن الأزرق للفرحة.

ذات سَحَر Where stories live. Discover now