ميلانو

143 1 0
                                    

في مكتب الاستعلامات أخبروها أن والدها متواجد حاليا في قاعة الألعاب...يمارس مع بعض أصدقائه لعبة البلياردو.
ذهبت إليه وحيدة بدون مرافقة موظفات الدار، فهي تعرف الطريق الى قاعة الانشطة الترفيهية...تلك القاعة الدائرية في وسط الحديقة لتبدو كجزيرة وسط بحرٍ من الأشجار الباسقة...عادةً ما يجلس والدها هناك يزجي الوقت مع أصدقائه العجزة، فحين تكون الامطار تتهاطل في الخارج تضيع عليه فرصة الجلوس على مقعده الخشبي المفضل المقابل لبركة المياه الاصطناعية في الحديقة.

كانت تمشي بخفة بحذائها الرياضي على الممر الحجري وهي تتطلع الى الواجهة الزجاجية للقاعة...لمحت والدها قبل أن تصل إلى الباب .. واقفا بقميصه المتهدل على كتفيه يراقب بحماس شديد طاولة اللعب ... كان هناك اشخاص قليلون يتجمهرون حول اللعبة وهذا لم يكن من دون سبب .. ببساطة لأنهم الوحدين تقريبا الذين مازالوا يستطيعون البقاء واقفين على أقدامهم لفترة شبه طويلة بدون مساعدة إنسانية أو آلية...أما بقية العجزة الذين كانوا أفضل حالاً ممن يعتكفون غرفهم لظروفهم الصحية القاسية كانوا يجلسون حول الطاولات الدائرية يحتسون أكواب الشاي الاخضر الدافئة ومن بينهم كثيرين على كراسٍ متحركة.

رفعت النادلة التي تقبع خلف منضدة البار رأسها حينما دخلت القاعة ... بعدها انتبه جميع العجزة لحضورها إلا والدها ورفاقه، كانوا منشغلين باللعبة، يصل صياحهم المبحوح لأطراف القاعة.
تقدمت تواجه ظهر والدها وعندما توقفت كان أحدهم قد نكزه بكوعه لكي ينتبه الى قدوم ابنته.
استدار بسرعة ... ليبقى واقفا مكانه يحدق بها... اقتربت منه وطبعت قبلة سريعة على خده ثم رفعت يديها بحركة درامية وهي تقول:" ألن ترحب بي؟"

"لم تأتي لزيارتي منذ وقت طويل!" قال ذلك وهو يقودها للجلوس حول أبعد طاولة عن ضجيج اللاعبين.
" مررت بظروف سيئة."
أقرت بذلك بصراحة وهي تجلس قبالته ولم يؤنبها ضميرها على تقصيرها معه، فبالنسبة لها هي تملك عذراً يغنيها حتى عن طلب المغفرة.
تفحصها بنظراتٍ بطيئةٍ ...!
كرهت نظراته وهي تمر على جسدها الهزيل الذي فقد الكثير من وزنه، بشرتها الشاحبة المتعبة وثيابها التي تفتقد إلى التناسق وهذا كان مناقضا لشخصيتها الأنيقة.
وأخيراً توقف عند الهالات البشعة التي حصلت عليها مؤخرا حول عينيها الخضراوين...!
"من الواضح بأن أمورك الشخصية ليست على ما يرام." ببرود رمى بتلك الكلمات في وجهها...لطالما كرهت برود والدها ... والآن أصبحت تكرهه أكثر... إنه يشبه برود ذاك الآخر ... الآخر الذي تريد أن تنساه ولا تريد حتى أن...!
زفرت بإعياء ... لم تكن تملك الطاقة ولا الرغبة في الحديث عن الموضوع لكنها يجب أن تخبره...ليس هناك فائدة من إخفاء الأمر عنه ... من الأفضل أن تتحدث عنه مع والدها لمرة أخيرة، وبصفة نهائية على أن تستمر في إخفاء ما حصل فتضطر لِتحمُّل الاسئلة التي سيوجهها والدها لها في كل مرة تزوره في دار العجزة.

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن