غريبين في الليل

84 1 0
                                    

في الليلة الاخيرة التي تسبق الزفاف تمنى لها الجميع ممن كانوا تحت سقف منزلها الخاص؛ والدها وفيبي وكريستيل ليلة هانئة ونوماً غاية في الراحة .. فقد كان الجميع في حاجته حتى يستيقظوا صباحا بأجساد نشطة وبشرة نظرة. هكذا توعدت فيبي فابيو عندما اتصل بها وحذرته من أن يبقي العروس مستيقظة ليلا لتحادثه على الهاتف .. فودعها باكراً. وعندما كانت تصعد الدرج لغرفتها تلقت رسالة منه:" غدا نلتقي عند المذبح وبعدها لن أتركك تمضين ليلة واحدة بعيدا عن ذراعي."
"إلى الغد عند المذبح." أرسلتها له بابتسامة ولكن الابتسامة تلاشت حال أن دخلت غرفتها وأغلقت الباب عليها .. شعرت بوحدة كبيرة .. لم تشعر بها منذ فترة طويلة .. كان الشعور غريبا وصعبا على الاستيعاب. جثم شيء على صدرها لم تعرف ما هو وشعرت بحاجة ملحة لهواء طبيعي ففتحت الشرفة .. وقفت فيها بقميص نومها الخفيف .. كان الشارع خاليا الا من بضع سيارات مركونة بجانب الرصيف ولا أي مخلوق في الخارج غيرها .. المنطقة كانت ماتزال جديدة والعديد من البيوت لازالت غير مأهولة. دخلت الشرفة وأغلقت الباب لأنها لم تستطع الاستفادة كثيرا من هواء نابولي الساخن .. فكرت أنها غدا ستنتقل بصفة رسمية لبيت فابيو هناك ستتخلص من هواء المكيّفات وتنعم بالهواء البارد للبحر صيفا وشتاءً. استلقت على سريرها تحت المحارم الصيفية ولكنها لم تستطع النوم فتركت أنوار الاباجورة مفتوحة وبقيت تحدق في الفراغ .. حتى سمعت صوت رنين قصير. رسالة جديدة .. لا بد أنه فابيو فكرت بذلك وهي تمسك بهاتفها.
"يجافيك النوم؟"
قطبت جبينها .. الرقم مجهول. وفي الحال وصلت رسالة أخرى:
"كنت أنتظر طوال الوقت أن تطفأ أنوار غرفتك حتى أجد عذراً للعودة بأدراجي لكن هذا لم يحصل... كأنك تريدين ما أريد..."
"هل تريدني أن أطفأها؟" أرسلت للمجهول تلك الكلمات .. وبدأ قلبها يدق وهي تخرج من سريرها .. قلبها كان يقول أنه ليس فابيو .. هذه كلمات مبتورة تحمل الكثير من المعاني والرسائل الغير المنطوقة
"لا لا تفعلي أرجوك. هذه الليلة أريد أن يشدني كل شيء إليك."
كانت يداها ترتعشان وهي تمسكان بالهاتف ثم اقتربت من الشرفة وأزاحت الستار حاولت استراق النظر الى الشارع لم يكن أحد يقف خارج بيتها. اتصلت بصاحب الرسائل وأجابها بصوته العميق جدا حد الغرق في الثمالة وسهر الليالي الوحيدة...
"أنا أراكِ."
نظرت من حولها .. لا أحد، فجأة أشعلت سيارة من السيارات المركونة تحت بيتها الاضواء الأمامية، فغرت عن فاهها .. لما لم تلاحظ من قبل تلك السيارة الامريكية المظلمة؟ ربما لأن آخر شخص كانت تتوقعه أن يقف تحت شرفة بيتها قبل ليلة من زفافها هو جوليانو.
"جوليانو ماذا تفعل هنا؟"
"أريد رؤيتك."
"ماذا؟"
"أريد رؤيتك." كانت نبرته صارمة
خرجت إلى الشرفة ووقفت عليها وهي تقول بتحد: "ها أنت قد رأيتني."
رأت خيال وجهه يتحرك تحت زجاج سيارته ثم أردف قائلا: "الان صرت مصراً أكثر على رؤيتك وجها لوجه."
"جوليانو يبدوا من نبرة صوتك أنك قد أكثرت من الشرب."
"ما الجديد في هذا؟"
"الجديد أنك هذه المرة أكثرت كثيرا جدا .. لقد بدأت تتفوه بالحماقات."
"إذا سآتي أنا إليك."
لم تفهم ما يعنيه حتى رأته يفتح باب سيارته وينوي الترجل منها .. زمت شفتيها بغضب وهمست في سماعة الهاتف من بين أسنانها: "والدي وصديقتاي نائمون في البيت." وأردفت عندما حدق إليها من مكانه بعناد دون نية للعودة لسيارته: "انتظرني .. أنا قادمة."
لم تفكر بما تفعله .. بسرعة نزعت قميص نومها وارتدت سروالا رياضيا خفيفا وقميصا أبيضا قطني .. ارتدت حذائها الرياضي ونزلت الدرج على أطراف أصابعها والبيت غارق في الظلام .. نجحت في الخروج من البيت دون أن يشعر أحد بها، وجدته يقف عند الباب ينتظرها وظهره يتكأ على عمود الانارة بإعياء .. استقام في وقفته عندما خرجت وأغلقت الباب خلفها، وقفت أمامه تحت الانارة القوية .. فظهرت الهالات السوداء حول عينيه وقد ازدادت وضوحا عن آخر مرة رأته فيها .. لحيته طالت أكثر من اللازم ورائحة الكحول وصلت لأنفها رغم بعدها بخطوتين عنه.
"أنت ثمل."
ابتسم في وجهها بتهكم وأجابها: "لقد لاحظت بأنك كلما أردت الهروب من الحديث معي لجئت لعذر الثمالة .. أنا أعرف جيدا ما أفعله الآن."
"إذا ماذا تفعل الآن؟"
نظر للأرض كأنما السؤال فاجأه رغم ادعائه العكس .. زفر الهواء بصوت مسموع ورفع رأسه، نظر إليها بنظرات غريبة ثم عاد ينظر إلى الارض يفكر من جديد وطال صمته.
حركت صونيا رأسها .. لقد كان ثملا جدا ..  "عد إلى السيارة."
"غدا ستتزوجين؟" فاجأها بالسؤال وهو يرميها بنظرات صارمة.
"سمعت بأن آل سيسليانو سيحضرون زفافي."
"اهمم..." تهكم وقام بحركة غريبة عندما عاد فجأة للوراء وكأنه فقد السيطرة على نفسه فاصطدم بقوة بعمود النور، فارتد وفقد توازنه وسقط على الارض متأوها .. سارعت هي إليه وأمسكت بذراعيه،  حاولت رفعه عن الارض لكنه كان ثقيلا ولم يساعدها بل قال: "لقد وصلتنا دعوة كبيرة منك والخط كان عريضا ذهبيا بشعا .. الدعوة بأكملها كانت مبتذلة .. هل كانت من اختيار فابيو؟ لا بد أن تكون كذلك .. فابيو سوقي يحب التباهي بثرائه .. مثل هذا الخاتم البشع الذي في يدك."
"يا إلهي كم أنت صريح."
أسند يده على الارض وساعدها في رفع نفسه ثم أبعد يده عنها قائلا: "انا بخير .. حقا أنا لست ثملا.. سأعود أدراجي.. لن أزعج العروس أكثر."
"انت ثمل ولهذا تتحدث كثيرا .. عادة أنت لا تفعل."
أمسكت بذراعه ورمت البيت بنظرة من خلف كتفها ثم حثته على التقدم معها .. فتحت الباب الجانبي لسيارة وأجلسته .. سألها عما تفعل لكنها تجاهلته ووضعت حزام السيارة حوله واعتلت هي مكان السائق .. أدارت المحرك وابتعدت عن منطقتها السكنية في الطريق لمرفأ اليخوت.
"ستقومين بإيصالي؟"
لم تجب
"هل تخافين من أن أقوم بحادث مروع؟ هل تخافين موتي؟"
ظلت على تجاهلها له حتى نجح أخيرا في كسر برودها بقوله: "لكن اليخت ليس في مرفأ نابولي."
نظرت إليه وسألته: "أين تقيم إذن."
"في اليخت."
ظنته يسخر منها لكنه استطرد قائلا: "لقد تركته في الشاطئ السري .. هل تذكرينه؟"
ركضها حافية على الاغصان والوحل والتربة الرطبة ثم الرمال الباردة والناعمة .. طبعا تذكره .. أومأت برأسها.
طلب منها الخروج من نابولي للطريق الساحلي وهناك كانت تقود بصمت في ذلك الليل .. بطرف عينيها رأت أنه طوال الوقت لم يكن يزيح عينيه عنها وكأن كل شيء غير موجود إلا هي .. شعرت بالتوتر لكنها حافظت على ثباتها وادعت أنها لم تلاحظ نظراته المباشرة. حتى قام بفتح القليل من زجاج النافذة فإذا بريح البحر القوية تهب لداخل السيارة .. سألته عن سبب فتح النافذة فأجابها:
"أحب رؤية شعرك يتطاير حول وجهك الجميل."
نظرت إليه وقد فاجأتها كلماته تلك .. لم يكن من قبل صريح معها هكذا.
"هل تذكرين اليوم الذي تعشينا فيه في مطعم جزيرة كابري؟"
أومأت بصمت وشفتيها منفرجتين.
"كان شعرك يتطاير من حولك كما الان .. حينها غمرني شعور غريب حاربته بقوة. يا إلهي كم وددت لحظتها لو أمسك بتلك الخصلات المتمردة المثيرة وأتحسس ملمسها بين اصابعي ثم أضعها خلف أذنك وأنا أتلمس شحمتهما."
اشتدت يداها على قبضتي المقود وهي تنظر أمامها بصعوبة في الوقت الذي كانت يده تضع خصلاتها خلف أذنها متعمدا تمرير أطراف أصابعها برقة عليهما.
أنزل يديه باستسلام غريب إلى جانبيه وهو يضع رأسه على الكرسي وسمعت زفرة راحة تخرج من بين شفتيه، ظل يحدق إليها بابتسامة واسعة، وكانت تلك أطول ابتسامة استمرت على شفتيه الحزينتين رأتها صونيا يوما!
"تبدوا كما لو أنك لامست شعر أفروديت."
"لو أراد الموت أن يأتيني الان فلا أمانع .. لقد نلت أمنيتي الاخيرة."
نظرت إليه بعدم تصديق، ثم حركت رأسها وحاولت التركيز على الطريق .. هل شرب صناديق من المشروبات الكحولية؟ لم تراه يوما بهذا السكر...
"أنت غريب جداً اليوم."
"لا أنا فقط سعيد وأنت لم ترينني سعيداً من قبل."
أشار لها لطريق مخفي بين الأشجار الكثيفة .. دخلت وهي تضيء جميع كشافات السيارة فقد كان كل شيء مظلم وموحش من حولها .. طلب منها الاستمرار في القيادة وألا تخاف الغابة فطريقها مظلم لكنه بلا عقبات.. وفي النهاية كما في المرة السابقة ظهر عند آخر الطريق بيت كبير تفاصيله غارفة في الظلام .. أوقفت السيارة وترجل هو بنفسه .. كانت خطواته بطيئة ولكنه نجح بسهولة في فتح الباب وانتظرها جانبا حتى دخلت بالسيارة وأوقفتها تحت شجرة ضخمة في باحة البيت .. ترجلت من السيارة وحدقت في الظلام الى البيت.
"تريدين رؤيته؟"
التفتت إليه كان يقف بجانبها ينتظر إجابتها .. صارحته قائلة: "لا أدري يبدوا موحشا ومنعزلا."
"لا تتسرعي بالحكم عليه. لقد بني بالكثير من الحب." ومد يده إليها: "تعالي"
ترددت بداية، ثم أمكست بيده وتبعته .. مرا بعمودين في الممر المؤدي الى الباب .. لم تكن تستطيع رؤية الالوان أو تفاصيل البناء فالظلام حالك وهي كانت منتبهة جدا لخطواتها حتى لا تتعثر. وقفا عند باب البيت فدفعه، فُتح وهو يُصدر صريرا مخيفا، عادت خطوة للخلف لكنه شد على يدها وقال: لا تخافي."
"أنا أخاف من الظلام .. لا يبدوا أن أحداً يسكنه."
"سابقا كان أكثر بيت يدخله النور ومازال، لكن فقط بالنهار."
لم تستطع تصديقه خصوصا أنه لم يكن يبدوا أن هناك أضواء ستُشعل في البيت الذي كان مهجورا والمغارة التي سبحت فيها كانت أكثر نورا منه .. من الباب لم يكن يظهر شيء سوى فجوة من الظلام الحالك.
"سأريك شيئا." قالها وقربها إلى جانب الباب، أخذ يدها ووضعها على الحائط الذي كان بارداً، حاولت سحب يدها لكنها تراجعت عندما وضع أصابعه على أصابعها .. كانت دافئة أكثر منها! حرك أصابعها بأصابعه، يحثها على تلمس الحائط، لم تفهم ما يحاول فعله حتى شعرت بأصابعها تلمس شيئا علمت حالا أنها كلمات محفورة على الجدار .. لم تكن تستطيع رؤيتها لذلك فهمت أنه يستخدم حاسة اللمس لجعلها تقرأها ..
"أري..ي...."
شعرت بصعوبة في قراءة الكلمات التي كانت غريبة عنها، وفهمت أنها كانت إيطالية عندما قرأها لها، ومع كل كلمة ينطقها كان يجعل أصابعها تمر على نقشها .. ثم ترجمها لها:
"أريد بيتا يكون مشرعا للشمس والريح وصوت البحر كمعبد إغريقي والنور.. النور في كل مكان"
ابتسمت وهي تهمس: "لقد سمعت هذه الكلمات من قبل."
"إنها لأكسل مونتي .. الذي اشتريت كتابه في كابري."
"بيته .. هل هذا بيته؟ ونظرت من حولها وبدا لها فجأة أنها تعرف شكل البيت من وصفه في كتاب صاحبه."
"لا .. ذاك في كابري ونحن الان ما بين نابولي وسورينتو .. هذا بيت والدي وقد بناه مثل بيت مونتي تقريبا .. هو أيضا كان يريد بيتا معزولا بأعمدة بيضاء، مشرعا على البحر والكثير، الكثير من النور يدخله."
"أعتقد بأنني سأحب والدك كثيراً .. هل البيت فيه أعمدة والتعريشات والاروقة؟ هل هي تطل كلها على البحر مثل بيت مونتي؟"
"كلها تطل على البحر والشمس." أكد لها مبتسما.
ابتسمت هي الاخرى في الظلام .. فقد كانت تحب وصف مونتي لبيته وإن كان بيت والد جوليانو مثل بيته فهي بكل تأكيد ستحبه جداً. تركته يقودها لداخل البيت .. في العتمة أشعل مصباحا يدويّاً كان يتركه على منضدة مهترئة قرب الباب .. استطاعت أن ترى أنهما يقفان في وسط قاعة فسيحة في بعض زواياها ما يشبه الخردوات أو ربما بقايا ما كان يوما أثاثاً، الشيء الوحيد الذي تبين لها بين تلك الفوضى هي أريكة في نهاية القاعة قريبة من نوافذ بأقواس قوطية، وعندما اقتربا منها اتّضح أن قماشها كان ممزقا وفي حال يرثى له.
"هل تنام هنا؟"
"لا .. لا أحب أخذ مكانه."
بقيت صامتة تحوم بنظراتها في الظلام وشعرت بنظراته عليها وهو يتكلم من جديد: "لم أتجرأ على دخول البيت منذ فترة طويلة وربما علي أن أخبرك بأنك الشخص الوحيد الذي يعلم بهذا المكان باستثناء والدي فلترقد روحه بسلام وأنا ووالدتي."
"وآنابيلا؟"
نظرت إليه في الظلام وقد فاجأها ما نطقت به، ظنت للحظة أنه لن يجيب أو سيغضب لأنها تحدثت عن الراحلة آنابيلا لكنه بالعكس تكلم بهدوء: "ولا حتى هي." وأضاف: "ولأكون صريحا معك ربما كنت سآتي بها يوما ما إلى هنا إن كانت ظروفها تسمح."
أومأت برأسها وقد شعرت بالحزن في داخلها .. هل غارت للتو من فتاة ميتة؟ الا يقول المنطق أنها يجب أن تغار من إليونورا زوجته؟! لكنها لم تشعر يوما بالتهديد من إليونورا ولما عليها أن تشعر بكل هذا بحق السماء وهي ستتزوج غداً؟!!
"لقد تأخرت سأعود .. سأترك لك السيارة قريبا من ميناء نابولي وسأستقل سيارة أجرة الى بيتي."
"لماذا على فابيو أن يأخذ كل شيء مني؟"
شهقت في مكانها وهي تضع يديها حاول أذنيها .. بعد لحظة صمت عقبت تكسر المصباح بقوة على الارض وغرقهما في العتمة، التفتت إليه بعد أن كانت قد توجهت إلى الباب .. وصلت إلى مسامعها أنفاسه الغاضبة التي كانت مخيفة في ذلك البيت الخالي، وسؤاله كان على شكل موجة غضب لم تعهدها منه من قبل .. نظرت إليه تحت ضوء القمر الشحيح الذي كان يتسرب من باب البيت المفتوح .. كان يحدق إليها بشدة. "لقد أخذ سلطة عائلتي والكثير من ممتلكاتهم .. أخذ مني آنابيلا وحريتي والان يأخذك أنت."
صاحت فيه وكلماته الاخيرة لم تترك لها فرصة للتركيز في جميع كلماته المجنونة:
"لم يأخذني منك أحد .. أنا أتيت إليك في يختك ذاك اليوم وأنت رفضتني . لقد قلت بأنني لا أعني لك شيء .. فقط أنك أشفقت علي وأردت مساعدتي ."
تلمست طريقها في الظلام إلى الباب لكنه تبعها راكضا ووقف أمامها وأغلق الباب فقالت بصوت مرتبك: "أنا لا أحب الظلام"
تجاهل كلماتها تلك، أمسك بذراعيها وشعرت بأصابعه تتحرك عليهما برفق وقال: "في ذلك اليوم لم أكن شجاعا كفاية لأعترف بمشاعري لنفسي .. وحتى لو كنت فعلت لم أكن لأستطيع ترك إليونورا .. إنها مسألة عائلية كبيرة .. مسألة حياة أو موت. زواجي من إليونورا هو تضحية قدمتها لأجل عائلتي لأنني فرد من آل سيسليانو، عليك ان تفهمي بأنني مهما كنت غاضبا منهم إلا أنني لا يمكنني أن أسمح بسقوطهم."
كتمت زفرة قوية .. لم تكن تفهم شيئا .. لكنها سألته بعدها: "ما الذي تغير الان؟"
فهم سؤالها .. كانت تتحدث عنهما. قرب وجهه من وجهها بطريقة لم يفعلها من قبل .. كانت تلك أول خطوة خطيرة له نحوها .. كاد أنفه يلامس أنفها وقال وهو ينظر لعينيها: "لقد أمضيت هذه الايام منعزلاً في البحر أفكر فيك .. كان علي أن أواجه نفسي، هناك شيء يربطني بك وهو أقوى من أن أتجاهله .. هذه الليلة أمضيتها وأنا أتساءل مع نفسي: لماذا بحق الجحيم علي أن اتخلى عنك ولمن؟ لفابيو؟"
تبادلا نظرات حارقة .. أغلق عينيه وظلت أنفاسه المضطربة تلفح وجهها وتتبعت حركته عندما وضع ذراعيه حول خصرها يعانقه .. ظلت مرتبكة في مكانها، قلبها تتسارع دقاته والحرارة تتصاعد معها .. تحرك بجسدها بتناغم مع جسده .. لم تفهم ما يفعل حتى سمعته يدندن لحن أغنية مألوفة لفرانك سيناترا، الاغنية التي سمعتها في الخلفية عندما كان يحدثها على الهاتف في سيارته تحت شرفة بيتها. وفهمت أنه يحاول مراقصتها.
كان يغني شبه هامس بصوته الحزين:
"غرباء في الليل يتبادلون النظرات"
"يتساءلون في الليل"
"ماهي حظوظنا في أن نتبادل الحب"
"قبل أن ينقضي الليل"

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن