الحفل

73 0 0
                                    

مرت أيام على لقائها به. كانت تنتظر اتصاله بها على أحر من الجمر، لكنه لم يتصل، بل واصل الاتصال والاطمئنان على أخته من خلال مديرة الدير .. تساءلت لليالٍ وحيدة على سريرها المتخشب عن السبب الذي جعله يطلب رقم هاتفها إن كان لن يهاتفها؟ لم تجد لسؤالها جوابا وهاجمتها كثيراً فكرة متشائمة بأنه ربما قد اكتشف شخصيتها الحقيقية، لكن ذلك كان مستحيلا فلو علم بأمرها لما كانت ما تزال تنام في الدير... كانت تحارب تلك الافكار بتذكيرها لنفسها أن فابيو أخذ كل احتياطاته وأثبت للجميع أنه الأدهى ويتفوق على حضرة النائب.
في إحدى المرات كانت جالسة مع أخته .. فإذا بها تسألها عن أخيها...
"تقصدين ليوناردو؟!"
"أجل هو .. هل لديه حبيبة؟"
ضحكت آنابيلا ثم أجابتها بعفوية: "فكرة أن أخي يمكنه أن يقع في الحب فكرة مضحكة للغاية .. لا أستطيع تخيله رقيقا ورومنسيا أو يداعب امرأة."
"هل هو شاذ؟"
"ماذا؟ لا .. قطعا لا..." صاحت بانزعاج قبل أن تدخل كالمجنونة في نوبة ضحك هستيرية.
" فكرة أنه شاذ أسوء من فكرة أنه مغرمٌ بامرأة .. كنت أقصد بأن فكرة الحب عامة لا تتوافق مع شخصية أخي .. إنه قاس جداً وأسلوب حياته يخلو من مشاعر الحب والعطف .. لم أره في حياتي برفقة امرأة .. لم يجلب يوما الى البيت إحدى صديقاته وأنا لم أتجرأ على سؤاله عن حبيبته .. إنه غامض وكتوم جدا.. هل تفهمين؟؟"
أومأت برأسها، مع أنها لم تفهم جيدا شخصية ليوناردو فومتشي .. الصورة التي ترسمها أخته عنه تتوافق نوعا ما مع الصورة التي رسمها فابيو عنه في نابولي .. لكن تلك التي انطبعت عن ليوناردو في فكرها يوم قابلها عند البئر كانت مختلفة كثيرا .. لم يكن بتلك القسوة والجدية التي يدّعونها عنه .. لم يُخيفها وقوفها أمامه. أعلنت عن أفكارها بصوت عالٍ قائلة: "لكنه كان لطيفا معي." ووضحت أكثر لآنابيلا التي استغربت كلامها:" لا تغضبي .. لم أخبرك أنني قبل أيام قابلت أخيك عندما جاء لرؤيتك ورفضت مقابلته .. تحدثنا لخمس دقائق هنا عند هذا البئر وكان لبقاً في حديثه و قلقا بشأنك."
لم تتحدث آنّابيلاّ وفتحت روايتها لكي تكمل قراءتها وعلى امارات وجهها الغضب .. سألتها إليونورا إن كانت منزعجة منها لكنها حركت رأسها نفياً ثم استطردت: "ليس منك .. لكنني غاضبة منه .. لقد تخلى عني وجلبني لهذا المكان المعزول."
"ربما ستشكرينه لاحقا على هذا ..."
كانت آنابيلا على وشك أن تقاطعها وقد احمر وجهها الصغير من الغضب .. لكن إليونورا أسرعت وأردفت وهي تغمز لها بعينها:" ربما هنا ستعيشين قصة الحب التي تحلمين بها .. هل تعلمين بأن جوليانو اتصل بي وسألني إن كان يمكنه أن يوصلنا في المرة المقبلة للمعالج الطبيعي؟"
لم يكن جوليانو قد اتصل طبعا .. لكنها كانت سترغمه على إيصالهم في المرة القادمة أيضا إلى المعالج وهو لم يكن يستطيع الرفض. نظرت لعيني المراهقة اللتين زاغتا سعادةً .. كانت آنابيلا فتاة تفتقد للصداقة والخبرة الحياتية ومتلهفة لتجربة غرامية فكانت تمنح ثقتها بسرعة لإليونورا لأن تلك الأخيرة كانت تتصيدها من خلال التركيز على تلك النقاط حتى أصبحت أخت النائب كالعجينة بين أصابعها المحترفة...
"أنا سأساعدكما أنت وجوليانو لتتقربا من بعضكما .. وأنت بدورك عليك مساعدتي .. اتصلي بأخيك طمئنيه بنفسك عليك وتصالحي معه." وبابتسامة خبيثة أضافت:" وحبذا لو تذكرين اسمي أثناء المحادثة."
فغرت آنابيلا عن فاهها غير مصدقة ثم صاحت:" ظننتك لا تحبين أبناء الوطن."
"أظن أن أحدهم قد لفت انتباهي وبشدة."
أقنعت  آنابيلا بسهولة أنها قد أعجبت بأخيها وتريد التقرب منه .. نصف الحديث كان حقيقة .. كانت تريد أن تلعب بكرات من نار وتتقرب من العدو الاول لعائلتها ربما تكون هي الشخص الموعود للقضاء على أسطورة النائب الذي لا يرحم ليوناردو فومتشي بطريقة أنثوية ماكرة.
في اليوم التالي اتصل بها رقم مجهول .. عندما أجابت تفاجأت بليوناردو على الخط .. ابتسمت بسعادة لنجاحها وهي تسمعه يقول:" هل كنت نائمة؟ لابد أنني أتصل في وقت متأخر بالنسبة لأناس يقيمون في دير قروي"
"لا .. لم أنم بعد .. في الحقيقة كنت على وشك النوم."
"آسف .. في نابولي الوقت مازال مبكراً للنوم."
أومأت عفويا برأسها وانتظرت أن يتحدث عن سبب اتصاله ..
" اليوم صباحا أجابت آنَّا على اتصالي .. تحدثنا قليلا .. تبدوا سعيدة وهذا بدوري يُسعدني.. أردت شكرك لأنك أقنعتها بالتحدث إلي."
اتسعت ابتسامتها برضى .. الفتاة كانت مفيدة لها أكثر مما توقعت.. أقنعت أخيها أنها تصادق معلمة طيبة والتي تحاول التوفيق بين طالبتها المراهقة وأخيها القلق ..
أجابته بتهذيب: "هذا خبر مُفرح .. لا داعي للشكر يا حضرة النائب فلقد قمت بواجبي كمربية وأيضا كصديقة."
"أتمنى لك ليلة سعيدة."
"ولك أيضا." قالتها وهي تشعر بخيبة أمل .. كانت تتوقع محادثة أطول وأعمق من مجرد شكر وكلمات عرفان مختصرة .. لكنه فاجأها قبل أن يغلق الخط عندما استطرد:" هذا رقمي الخاص .. احتفظي به . إن احتجت لأي شيء يمكنك الاتصال بي في أي وقت."
تمتمت بذهول: "حسناً..."
"وشيء آخر .. ناديني بليوناردو فقط."
"حسناً ليوناردو" قالتها بابتسامة واسعة ونبرة حرصت على أن تكون خافتة ومثيرة من دون ابتذال وكأنها عفوية...

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن