كومو

87 2 0
                                    

ظل السيد على صمته حتى عندما حدثهم السائق برسمية قائلا: "عندما رآكم السيد فابيو واقفات تحت المطر علم بعينه الخبيرة أنكن أجنبيات، فطلب مني عرض مساعدته عليكن."
التفتت فيبي من مكانها في المقعد الأمامي وشكرته بتهذيب بينما كرسيتيل اكتفت بابتسامة عرفان للجميل، أما صونيا ظلت صامتة تنظر بجمود أمامها مثله هو الذي لم ينطق بشيء واكتفى بابتسامة لطيفة رداً على كلمات شكر صديقتيها..
طلبت فيبي من السائق أن يوصلهم بسرعة الى الميناء وامتثل الرجل بسرعة لكلامها غير أن سرعته لم تكن كافية. بعد بضع دقائق توقفت السيارة أمام الميناء وخرجت الصديقات الثلاث راكضات من السيارة غير مصدقات بأن العبارة التي أصبحت في عرض البحيرة هي نفسها التي جاؤوا فيها.. حتى أنهنّ كنّ قد نسين توديع السائق وصاحب السيارة. تركت صونيا صديقتيها واقفتين يتابعن بعيون متحسرة العبَّارة وهي تبتعد شيئا فشيئا وذهبت راكضة إلى المقصورة الصغيرة التي خلف زجاجها كانت تجلس إيطالية ممتلئة الجسم تبيع تذاكر العبارات لسياح .. تأكدت صونيا منها بأنهم متأخرون والعبارة قد أبحرت قبل وقت قصير.
سألتها باستسلام عن موعد العبارة القادمة ..
"بسبب أحوال الطقس السيئة وقلة السياح لن تنطلق العبارة من الجهة الأخرى إلا بعد أن يمتلئ على الأقل نصفها بالسياح." قالت الايطالية جملتها تلك بنبرة يشوبها الملل لما تعودت على رؤية السياح المتأخرين عن الموعد المحدد.
عادت صونيا الى صديقتيها وهي تلمح في نفس الوقت السيارة السوداء مازالت واقفة في مكانها .. كانت متأكدة بأن صاحبها يراقبهن خلف زجاجها المعتم.
"ماذا قالت؟" سألت فيبي بتوتر.
"لن تبحر العبارة من الجهة الأخرى إلى هنا قبل أن تمتلئ لنصفها وهذا ما لا أظنه سيحدث بسبب هذه الامطار."
نفثت كريستيل الهواء من فمها بغضب واضح وهي تنظر إلى فيبي .. فجحظت عينا تلك الاخيرة وهي تصيح:" هل تحملينني الذنب؟"
"برأيك من أصر على الخروج من العبارة والبحث في الطرقات عن بيت كلوني؟"
"أنا أحاول أن أستمتع بعطلتي وهذا من حقي."
"اصمتا." أمرتهما صونيا من بين أسنانها وعيناها على السيارة .. وأضافت بسرعة:" إنه قادم إلينا."
نظرت الصديقات الثلاثة إلى الرجل الطويل الذي كان يتقدم منهن .. كانت تلك فرصتهن الاولى التي تسمح  بتفحص الرجل الايطالي الذي ساعدهن. أول ما كان يجذب الانتباه فيه هو أناقته .. كان يرتدي بدلة كتانية من الواضح بأنها صممت خصيصا له .. جزئها العلوي رمادي عليه مربعات إطارها باللون الابيض الشاحب بينما سرواله كان رماديا خالصا مع حذاء جلدي كلاسيكي تزينه في الوسط قطعة فضية عليها توقيع المصمم .. كان نموذجاً لرجل الايطالي الأنيق.
التقت عينهما من بعيد ولكن صونيا لم تزيح نظراتها عنه .. استمر هو الاخر بالتحديق فيها .. كانت هناك جرأة بنظراته وتجاربها العاطفية في الحياة أيقنت لها بأنه يتعمد الا يخفي عنها نظراته المتفحصة لها.
"يبدوا بأنكن تعانين من مشكلة؟" توقف أمام الثلاثة وهو يدس يديه في جيبه.
"أجل صحيح .. كما ترى لقد تركتنا العبارة هنا ولا نعلم متى ستعود." بابتسامة بلهاء أجابته فيبي .. لا تستطيع أن تخفي سعادتها بقدومه إليهن.
أخرج يديه من جيبه واستدار نصف استدارة اتجاه سيارته قائلا:" هيا لنعد إلى السيارة .. سائقي سيتكلف بإيصالكم الى فندقكم."
"لا."
التفت الجميع الى صونيا التي رفضت عرض الايطالي بنبرة عنيفة! وعندما الحت النظرات المستغربة عليها بتوضيح .. قالت وهي تنظر إلى عينيه من بين رموشها المبللة محاولة تليين نبرتها قدر الإمكان:" لا نريد إزعاجك.. سنجد مقهى أو مكانا ما هنا ننتظر فيه."
"إلى متى ستنتظرين في هذا الجو؟"
اتسعت عينيها لنبرته المستهزئة وهو أيضا قرأ بسرعة تعبيرات الاستنكار على وجهها فبادر لتصحيح نبرته قائلا بالكثير من التهذيب:" اعذريني .. انا لا أقصد التطفل بل إنِّي فقط أحاول المساعدة." ثم أردف وهو يشير لهن قبل ان يشير الى نفسه أيضاً:
"إن بقيتن تنتظرن بثيابكن المبللة هذه فستمرضن بلا شك، وسأتبلل أنا بالكامل وأنا أحاول إقناعكنّ بقبول مساعدتي."

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن