نابولي

62 0 1
                                    

كانت الرحلة من ميلان إلى نابولي قصيرة، ممتعة وبالكاد شعرت بها صونيا .. حيث نقلتهم طائرة خاصة اتضح بأنها ملكية خاصة لفابْيُو. كان ثراء ذلك الرجل مثيرا للإعجاب لكن مع ذلك صونيا كانت تحتفظ بإعجابها لنفسها فغرورها لم يسمح لها بأن تنبهر به.
لكنها لم تكبح ابتسامتها ولا ضحكاتها على الحديث الذي تشاركاه في الطائرة وهما يحتسيان كأسي  شمبانيا أو يتناولان وجبة خفيفة .. كان من الواضح بأنه يحاول خلق جو مرح وقد نجح في ذلك .. غير ذلك أنها أيضا تعرَّفت أكثر عن أعماله وتناقشا حولها .. لكنهما تجنبا كليا الحديث عن حياتهما الشخصية .. لم يكونا جاهزين بعد لخوض نقاش خطر كذاك.
عندما هبطا من الطائرة كان سائق جديد في انتظارهما .. طريقة تحيته براحة لفابيو وقميصه الأبيض المفتوح الياقة كانت تدل على أنه مقرب من رب عمله .. لابد أنه عمل لديه لسنوات عديدة لكسب كل تلك الثقة والاريحية في التعامل معه .. ألقى السائق التحية على صونيا وابتسامة ارتسمت تحت شاربيه المزعجين .. عرّفه فابيو باسم "إنزو" مضيفاً:" إنزو أكثر من سائق لدي."
جلست صونيا بجانب فابيو في المقاعد الخلفية .. لكنه انشغل فورا باتصالات كثيفة .. لم تفهم شيئا منها لأنها كانت بإيطالية محضة. وهي تلتفت أمامها ضبطت السائق يتلصص النظرات إليها عبر المرآة الامامية.. أبعدت فورا وجهها ناحية النافذة  لتتأمل الطريق، فكرت بأنه لما هي من أشاحت وجهها عنه بينما العكس ما كان يجب أن يحصل؟ لم يعجبها تصرف غريزتها تلك. عادت للنظر الى السائق بثقة فوجدته مركزا بناظريه أمامه ولم ينتبه هذه المرة لنظراتها المدققة فيه .. فالتفتت هي الاخرى إلى تأمل الطريق .. كانت معالم الجنوب الايطالي بدأت تظهر لها من الشمس الساطعة في كبد السماء والهواء الساخن ونقص في الطبيعة الخضراء مقارنة بكومو وميلان.
لم يَقُد بهما السائق داخل نابولي .. لأن صونيا لم ترى منها الكثير بل فقط عند أطرافها حيث الأحياء الراقية بعيدة عن ضوضائها. توقف أخيراً عند بيت عصري الطراز بأسوار وبوابة بيضاء  .. دخلوا البيت على ممر مبلط لم يكن ممرا طويلا مثل ممر فيلا كومو لأنهم وصلوا بسرعة الى أمام الباب الداخلي للبيت .. ترجلوا من السيارة وشكرت صونيا السائق بكلمات خافتة بعدما سارع لفتح الباب لها.
فورا لفحت صونيا نسمات هواء مالحة جعلتها تبتسم .. فقد عرفت من أنهم اصبحوا قريبين من البحر جدا. أنهى فابيو مكالمته الثالثة ودس هاتفه النقال في جيب سترته .. وضع يده خلف ظهرها برقة وحثها على التقدم .. دفع باب البيت قائلاً:" مرحبا بك في بيتي."
نظرت إلى ضوء الشمس الذي كان ينعكس  على الرخام الابيض الذي يملأ البيت الفسيح  (مضيءٌ جداً...) فكرت مع نفسها.

" إنه مختلف تماما عن فيلا كومو.." قال وهو يغلق الباب خلفهما.
"عصري جدا." قالت ذلك وهي تنظر للمساحات الواسعة البيضاء والاثاث الخفيف والجدران الزجاجية وشلال المياه الاصطناعي الذي يتدفق على جدار خارجي مقابلٍ لمنطقة الجلوس الرئيسية.
"عمليٌّ أكثر."
نظرت إليه فأكمل وهو يدعوها لمرافقته الى داخل البيت: "البيوت الاثرية ليست مناسبة للحياة العملية لرجل أعزب وحيد.. إنها تناسبه فقط لقضاء عطلته."
أومأت برأسها متفهمة، وتبعته حيث تقدم بها الى واجهة البيت الخلفية .. سمعت أمواج البحر تضرب الشاطئ عندما كانا في طريقهما إلى شرفة البيت الرئيسية. وقفا عند مسبح واسع على الهواء الطلق جزء منه مظلل بشرفة لطابق علوي .. كان المسبح يطل مباشرة على مساحة قصيرة خضراء اللون والتي بدورها كانت تلتقي مباشرة برمال الشاطئ الذهبية .. دعاها للجلوس على إحدى الارائك المنتشرة حول المسبح.

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن